top of page

التحرش الجماعي في العراق... جريمة علنية أمام سلطة صامتة



يتكرر مشهد التحرش الجماعي مع كل مناسبة عامة في البلاد؛ مجموعات من الفتيان والمراهقين يلاحقون النساء في الشوارع، ويرتكبون أفعال المضايقة العلنية لفظيًا وجسديًا، بينما تصمت السلطات، ويشرع المجتمع بالتبرير علنًا أيضًا.

في عيد الفطر الماضي، في آذار (مارس) 2025، تداول مستخدمو المنصات الرقمية فيديو من محافظة البصرة يُظهر شبانًا يتحرشون بفتيات في حديقة عامة، في مشهد لم يعد صادمًا بقدر ما بات متوقعًا.

إن تكرار هذه الحوادث يعكس واقعًا تعيشه النساء في العراق، خاصة في ظل غياب قوانين رادعة، وتكريس التطبيع الاجتماعي مع العنف ضدهن، وتجاهل حقوقهن.


"الشعور بأن الشارع ملك للرجال"


تعتقد بعض الناشطات النسويات أن الشعور بالرعب مع اقتراب المناسبات العامة، مثل العيد، ليس أمرا مبالغا فيه على الإطلاق، حيث تقول نادين ثائر، وهي صحفية عراقية: "الرجال يشعرون بحرية تامة في ممارسة أفعال مؤذية تجاه النساء، بينما تشعر المرأة بالرعب من الخروج إلى الأماكن العامة، لأنها قد لا تعود بسلام إلى عائلتها". وتضيف: "ثمة شعور بأن الشارع ملك للرجال وأن "وجودهن في الفضاء العام أصبح مهددًا". بالتالي، لم يعد العيد مناسبة للفرح، بل " اختبارًا للشجاعة، والقدرة على تحمّل الإهانات".

تُرجع الباحثة الاجتماعية، تغريد عدنان أحد أهم أسباب تفشي التحرش الجماعي إلى خطاب الكراهية السائد في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تقول: "المراهقون لا يولدون عدوانيين، لكن عندما يرون منشورات تُحقّر من النساء، وتحمّل الضحية المسؤولية في التحرش، فإنهم يتشجعون على ارتكاب الجريمة. ويتحولون إلى أدوات للعنف، لا يرون في المرأة إنسانًا، بل هدفًا مباحًا."

من جانبها، تشرح المعالجة النفسية، مينا جميل الأبعاد النفسية المعقدة للتحرش الجماعي، قائلة: "في مثل هذه الحالات، يكون دافع المراهقين جماعيًا أكثر مما هو فردي. أحدهم يبدأ بالتحرش، ثم تنشأ عدوى سلوكية تدفع بالآخرين إلى المشاركة؛ كلٌّ يحاول إثبات 'رجولته' أمام المجموعة."

وتضيف جميل: "ما يفاقم الوضع هو غياب التربية الواعية، والتشجيع الضمني على ربط 'الرجولة' بالتسلط على النساء، إلى جانب الكبت الجنسي وغياب الحوار المجتمعي حول العلاقات الصحية بين الجنسين."


قصور القانون عن الردع


لا تزال القوانين العراقية قاصرة عن مواكبة حوادث التحرش. فحتى اليوم، لا يتضمن قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 تعريفًا واضحًا لـ"التحرش الجنسي"، ناهيك عن "التحرش الجماعي".

في المقابل، يستخدم القانون تعابير عامة مثل "الفعل الفاضح" أو "الفعل المخل بالحياء"، والتي تقع تحت مواد فضفاضة، مثل: المادة 400 التي تعاقب على الأفعال المخلة بالحياء دون رضا الطرف الآخر، والمادة 401 التي تتناول الأفعال الفاضحة في العلن، إلى جانب المادتين 402 و403 المتعلقتين بالإيحاءات الجنسية.

ويجعل غياب التعريف الدقيق تطبيق هذه المواد ضعيفًا، وتُترك الأمور غالبًا لتقدير القاضي، مما يؤدي إلى تفاوت في الأحكام، وضعف في الردع، بل وأحيانًا إلى إفلات الجناة من العقوبة تمامًا.

يقول القانوني، أحمد برهان: " نادرًا ما تقدم النساء شكاوى. هناك خوف دائم من الفضيحة، ومن الانتقام، وهناك أيضًا قلة وعي قانوني"، مضيفا " لقد طالبنا مرارًا بتدريس مواد القانون في المدارس، لكن لا حياة لمن تنادي."

ومع تردد النساء في اللجوء إلى القضاء وقصور القوانين، تبدو الأرقام صادمة للغاية. فرغم التحديات في جمع البيانات بسبب العوامل الاجتماعية والثقافية، إلا أن تقرير دائرة الطب العدلي سجل 421 حالة اعتداء جنسي خلال النصف الأول من عام 2024، منها 327 حالة تخص النساء. كما أفاد تقرير لمنظمة العفو الدولية بوجود العدد ذاته من حالات الاعتداء الجنسي (421)، منها 327 حالة تخص النساء، خلال الأشهر الستة الأولى من العام نفسه.

أما القانونية، هالة الشمري، فتُبرز معضلة أخرى، وهي تأثير الثقافة العشائرية على منظومة العدالة. وتؤكد أن : "العادات العشائرية تجعل الذهاب إلى الشرطة أمرًا مستهجنًا. لذلك فإن كثيرا من النساء يفضلن الصمت خوفًا على السمعة، لا لأنهن لا يعرفن حقوقهن، بل لأن المجتمع لا يحميهن إذا قررن الدفاع عن أنفسهن."

مع ذلك، تستدرك الشمري "في السنوات الأخيرة، بدأنا نلحظ وعيًا قانونيًا متزايدًا لدى العديد من النساء، وهذا يدعو للتفاؤل، فكل امرأة يجب أن تعرف أن التبليغ حق، وليس عيبًا."

التحرش الجماعي في العراق ليس حادثًا فرديًا، ولا نزوة مراهقين، بل هو نتيجة تراكمية لثقافة ذكورية سامة، وغياب رادع قانوني، وتطبيع اجتماعي مع العنف ضد المرأة.


لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

Comments


Follow Us !

Thanks for submitting!

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter

Thanks for submitting!

فتيات ضحايا لهيمنة العادات بمستقبل مجهول.png
bottom of page