أين يقف العراق على خارطة المشاركة الشبابية العالمية؟
- فاطمة نعمة

- 12 أغسطس
- 4 دقيقة قراءة

على الرغم من أن نحو 20% من سكان العراق تقل أعمارهم عن 24 عامًا، إلا أن مشاركتهم في الحياة العامة لا توازي هذا الحجم السكاني . بحسب مؤشر المشاركة السياسية والمدنية العالمي (Global Youth Participation Index)، يمثّل متوسط النقاط العالمي 60/100، بينما تتراجع الدول النامية إلى مستويات أقل، خاصة فيما يخص المشاركة في الانتخابات والسياسة المباشرة التي لا تتجاوز 50/100 . وعلى الرغم من عدم توفر ترتيب مباشر للعراق في المؤشر، إلا أن بيانات اليونيسف تُظهر أن 60% من الشباب العراقي (15–24 سنة) يفتقرون إلى المهارات الرقمية الأساسية التي تعد مدخلًا للتوظيف والمشاركة المدنية .
في الفترة بين أوائل 2019 تم تنظيم 18 ورشة من قبل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (اليونامي) على مستوى المحافظات شارك فيها أكثر من 580 شابًا وشابة، طالبين موقعًا فعليًا في صنع القرار. إلا أن غياب سياسات واضحة لتمكين الشباب، يؤثر على مشاركتهم في الواقع السياسي.
رغم ذلك، لا يزال هناك محال كبير لتفادي هذا النقص. ففي إقليم كردستان، هناك معدل تعليم عالٍ نسبياً (76% من الشباب أكملوا التعليم العالي) مقارنة ببقية البلاد (58%) . كذلك، نجحت مبادرة “البرلمان الشبابي العراقي” التي أطلقتها وزارة الشباب والرياضة قبل نحو خمس سنوات، في إشراك قرابة 67% من الشباب في العملية الانتخابية للشباب، عبر جمعية انتخابية تمثل مختلف أطياف المجتمع .
هذه الأرقام تطرح سؤالين محوريين: هل العراق قادر على تجاوز العراقيل التي تحول دون تفجير طاقاته الشبابية؟ وهل يمكن تحويل المبادرات الفردية والجماعية إلى جزء من سياسة شاملة تمكّن فئة الشباب؟
جدار العزلة: ما الذي يمنع الشباب من المشاركة؟
في بلد شاب كالعراق، حيث يشكل من هم دون سن الثلاثين أكثر من 60% من السكان، لا تزال مشاركة الشباب في الحياة العامة محكومة بسلسلة من العوائق البنيوية والثقافية والسياسية. هذه العوائق لا تقف فقط عند حدود النُظم، بل تمتد إلى عمق الوعي المجتمعي ومنها:
احتكار القرار، حيث تُدار معظم مراكز صنع القرار في العراق من قبل نخب سياسية تجاوزت الخمسين من العمر، وهي لا تفسح المجال أمام جيل جديد ليطرح أفكاره أو يشارك في رسم السياسات. في هذا الصدد، يقول الباحث في شؤون الحوكمة، د. مازن العاني: “المشكلة ليست فقط في غياب الشباب، بل في وجود إرادة سياسية تُبقيه في الهامش، خوفًا من تغيير قواعد اللعبة.”
ومع غياب قوانين مُفعّلة لضمان حصص شبابية حقيقية داخل المؤسسات المنتخبة، تبقى المشاركة محصورة في إطار رمزي، مثل لجان شبابية استشارية بلا صلاحيات تنفيذية.
فجوة الثقة مع الدولة: تقول زهراء (26 عامًا)، طالبة دراسات عليا من النجف:“عندما تكون مشاركتك في الحياة العامة تهمة، تصبح المواطنة عبئا." وتضيف "ليس عندنا ثقة أن صوتنا كشباب يمكن أن يغير شيء فعلاً..”
العديد من الشباب باتوا يتجهون نحو فضاءات غير رسمية مثل المبادرات المجتمعية والحملات عبر الإنترنت، للتعبير عن أنفسهم والقيام بنشاطات، وقد يختارون الهجرة أحيانا.
نظرة المجتمع وسقف التغيير : الثقافة المجتمعية بدورها تلعب دورًا مقيدًا للطاقات الشبابية.، ففي بعض البيئات، يُنظر إلى الشباب – وخاصة الفتيات – كـ “غير مؤهلين” للخوض في الشأن العام. وهناك من يرى في مطالبة الشاب بالحقوق نوعًا من “الوقاحة”.
في هذا الصدد، يقول علي، منظم حملات توعية في الجنوب: “نشتغل مع شباب يريدون إحداث تغيير، ولكن أحيانًا تكون أسرهم هي أول خصم يواجههم وليس الدولة.”.
في هذا المشهد المعقد، تظل الطاقة الشبابية موجودة، لكن تحتاج إلى من يدعمها ويطورها لتكون مستعدة لمواجهة المستقبل بثقة، كما أن ما يطرحه الشباب اليوم لا يقتصر على مطلب التمكين، بل هو اختبار لقدرة الدولة والمجتمع على بناء مستقبل يشمل الجميع.
مبادرات شبابية ناجحة
ورغم كل هذه الصعوبات أمام تفتق المهارات الشبابية، هناك العديد من المبادرات التي تبرز كفاءة وقدرة هذه الشريحة على الإبداع وتغيير الواقع نحو الأفضل.
حديقة التزلج في بغداد
في فبراير 2025، افتُتحت أول حديقة تزلج بالعاصمة داخل مجمع وزارة الشباب والرياضة، بدعم من السفارتين الألمانية والفرنسية. يقول محمد القاضي (19 عامًا): “كنت أنتظر هذا المكان منذ خمس سنوات… كنا نتعرض للإصابات كثيراً.”. أما الرائدة رسل عظيم (23 عامًا)، فعبّرت بحماس: “أتمنى أن أدخل المنافسات الدولية في هذه الرياضة بعد أن أصبح عندنا مكان نتمرّن فيه.”
الحديقة، التي تضم 25 متزلجًا باتت نقطة انطلاق لتشكيل اتحاد وطني ومتنفس للشباب لممارسة رياضتهم المفضلة.
حملة “العراق أخضر”: صوت لشباب البيئة
بمبادرة من الأمم المتحدة وبرعاية برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أُطلقت في صيف 2023 جهودً شبابية لجمع النفايات من ضفاف دجلة وزراعة آلاف الأشجار . وخلال الاحتفال باليوم العالمي للشباب في 12 أغسطس، شارك أكثر من 500 شاب وشابة في حملة نظافة وتم تنظيم مسابقة تصوير في الموصل أظهرت تأثيرات التغير المناخي. كذلك، زرعت آلاف الأشجار في محافظات عدة، بالتعاون مع وزارتي الزراعة والبيئة. وخلقت هذه المبادرة تفاعلا مجتمعيا ملموسا.
مشروع Jousour – جسور نحو المستقبل
أطلق برنامج الغذاء العالمي، بالتعاون مع وزارة التعليم العالي منذ ديسمبر 2022، مشروع جسور نحو المستقبل وهو يهدف لبناء المهارات الرقمية لــ9,000 شاب وشابة . وقد استفاد الخريجون من فرص عمل عبر المنصات الرقمية، كما رفعوا قدراتهم على التوظيف الذاتي في قطاع التكنولوجيا وهو اتجاه متنامٍ في العراق.
الجيل التقني في الموصل: برمجة ورؤية مستقبلية
في يونيو 2025، أطلق مشروع مشترك لـمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية والحكومة النمساوية تدريبًا في الموصل شارك فيه 20 شابًا مؤهلاً للتعلم العملي في البرمجة والروبوتات وريادة الأعمال . تقول زهراء لواي، خريجة البرنامج : “أصبحت قادرة على تجميع أجهزة استشعار بمفردي، وأنا الآن أفكر بإطلاق مشروع تعليمي خاص بي.”. أما الطالب وليد رائد فقد طوّر مشروعًا يستخدم الذكاء الاصطناعي لمساعدة الصم، ووصف التجربة بأنها “غيّرت رؤيته للفرص الرقمية”.
مبادرات إنسانية: “IRAQ Builders”
وهي مجموعة تطوعية تعمل على إصلاح أسقف منازل الأرامل والأيتام، وتضم اليوم أكثر من 200 متطوع . منذ تأسيسها عام 2013، أصلحت أكثر من 90 منزلًا في بغداد والمحافظات، ونظمت فعاليات ترفيهية للأيتام. ويمكن اعتبارها مثالا حي اعلى قوة العمل المجتمعي الشبكي
شجرة لكل روح - Green Mosul
أطلقها عمر محمد عبر “عين الموصل”، ونجح بين مارس 2022 ومارس 2023 في زراعة 9,000 شجرة بجنيف في المحافظة . في هذا الصدد، يقول عمر: “الشجرة لا دين لها ولا طائفة.”. والمشروع أنعش الحيز المدني وترابط المجتمعات، وجعل قضية المناخ جزءًا من الحوار المجتمعي في المدينة".
هذه المبادرات المختلفة التي شملت مجالات مثل الرياضة والحفاظ على البيئة والتعليم الرقمي والإغاثة الإنسانية تعكس رسالة قوية وهي أن الشباب العراقي قادر على المبادرة خارج الأطر التقليدية، ويملك أدوات التغيير المجتمعي، إذ لا ينقصه الطموح ولا القدرة، بل الفرصة. والمبادرات القائمة اليوم أثبتت أن بإمكانها لعب دور رئيسي في بناء السلام والتنمية والوعي المدني، شرط أن تتحول هذه الجهود من جزر معزولة إلى سياسة وطنية شاملة. وفي الوقت الذي يتراجع فيه العالم العربي في مؤشرات المشاركة الشبابية، قد يكون العراق قادراً على قلب المعادلة من الهامش إلى الصدارة.
لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)






تعليقات