top of page

بين الضروريات والكماليات.. رحلة المرأة العراقية في البحث عن الجمال في زمن الدولار المتذبذب

صورة الكاتب: تمارة عماد تمارة عماد


فرضت تقلبات سعر صرف الدولار واقعًا اقتصاديًا جديدًا في العراق، طالت تأثيراته مختلف مناحي الحياة، وامتدت لتشمل حتى "ميزانية الجمال" لدى المرأة العراقية، فبين سعيهن الدائم للحفاظ على مظهرهن، وارتفاع تكاليف مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة والعطور، أصبحت الكثيرات يعدن النظر في خياراتهن. يسلّط هذا المقال الضوء على كيفية مواجهة النساء العراقيات لهذا التحدي، والبدائل التي يلجأن إليها في رحلة البحث عن الجمال في زمن الدولار المتذبذب.

"كنت في السابق أقع في فخ شراء كل ما أراه على شاشة الهاتف من منتجات جديدة وماركات باهظة الثمن، لكن مع ارتفاع الأسعار وتقلص ميزانيتي، أصبحت أعيد النظر في أولوياتي وأفكر ألف مرة قبل إقتناء أي منتج"، تقول رباب فاروق، الشابة العراقية من جيل الألفية. وتضيف "أصبحت أميز بين الضروري والثانوي، وأركز على شراء المنتجات التي أحتاجها فعلا وتناسب بشرتي وميزانيتي، حتى وإن كانت من ماركات أقل شهرة أو رخيصة نسبيًا، كما أنني صرت أهتم أكثر بقراءة التعليقات والتقييمات من قبل مستخدمات أخريات قبل شراء أي منتج، بدلًا من الانخداع بإعلانات وسائل التواصل الاجتماعي، ومجاراة صيحات الموضة الزائلة".


"أنفق نصف مصروفي على مستحضرات التجميل.. ولا أستطيع الاستغناء عنها"


"أعشق مستحضرات التجميل بأنواعها، ولا أستطيع الاستغناء عنها، خصوصًا أحمر الشفاه وظلال العيون،" تقول، من جهتها، رونق محمد، طالبة هندسة الحاسبات (24 عاما)، مضيفة "أنفق نصف مصروفي اليومي على هذه المستحضرات ، وأحيانًا أوفّر لأشتري شيئا جديدًا رأيته على تيك توك أو انستغرام." ولئن كانت والدتها تلومها باستمرار بسبب شرائها المتواصل للمستحضرات، فإنها ترى أنها جزء لا يتجزأ من شخصيتها وأنوثتها ولا تستطيع التخلي عنها، حيث تؤكد: "أشعر بالثقة والسعادة عندما أضع المكياج وأعتني بمظهري. كما أحرص على اقتناء العطور ذات الروائح المميزة التي تناسب شخصيتي".

لكن مع ارتفاع سعر الدولار، أصبحت رونق تشعر بالقلق إزاء قدرتها على الاستمرار في شراء مستحضرات التجميل التي تحبها. "الأسعار أصبحت مرتفعة جدًا، وأخشى أن أضطر إلى التقليل من شرائها أو الاستغناء عن بعضها كما أولي اهتمامًا أكبر للعناية ببشرتي باستخدام منتجات طبيعية ومنزلية لتقليل تكاليف شراء مستحضرات العناية بالبشرة الجاهزة"، توضح الشابة، مضيفة " حاليا، أحاول أن أكون أكثر عقلانية في اختياراتي، وأركز على شراء المنتجات الضرورية فقط، مثل كريم الأساس وأحمر الشفاه والماسكارا ".


"الحفاظ على الجمال أصبح أكثر تكلفة!"


"طبعا، أي امرأة تريد أن تبدو جميلة!" تُصرّح حوراء جمال، الموظفة الأربعينية من بغداد، بابتسامة واثقة، "لكن هذه الأيام، أصبح الحفاظ على الجمال مكلفا!". وُتعدّد مستلزمات جمالها اليومية قائلة: "أستعمل كريم الأساس، أحمر الشفاه، الماسكارا، ظلال العيون... بالإضافة إلى العناية ببشرتي باستخدام منظف ومرطب وواقي شمس يوميًا، وأحرص على استخدام مقشر وماسكات للبشرة أسبوعيًا. كما أفضل استخدام العطور ذات الروائح الهادئة والثابتة".


تشير حوراء إلى أن ارتفاع الأسعار أثُر على عاداتها الشرائية. "أصبحت أفكر مرتين قبل شراء أي منتج، خاصة مع وجود التزامات اخرى مثل مصاريف المنزل والأولاد. وأحاول شراء المنتجات الضرورية فقط، مرّكزة على الجودة أكثر من الكمية". وتضيف

"أعتقد أن الإهتمام بالمظهر هو جزء أساسي من ثقة المرأة بنفسها، وأن الحفاظ على الجمال لا يقتصر على استخدام المكياج فقط، بل يشمل أيضًا العناية بالبشرة والشعر. وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية التي نمر بها، إلا أن المرأة العراقية تبدع دائمًا في الحفاظ على جمالها وأنوثتها بأقل التكاليف".

العراق من أكثر المستوردين لمنتجات التجميل في العالم


في ظل تنامي سوق مستحضرات التجميل في العراق، كشفت إحصاءات حديثة أن العراق يحتلّ مراتب متقدمة نسبيًا في استيراد منتجات التجميل و المكياج. وبحسب   موقع  "oec.world"،   فقد بلغت قيمة واردات العراق من منتجات التجميل في عام 2022 حوالي 181 مليون دولار، مما يجعله المستورد رقم 51 لهذه المنتجات على مستوى العالم. و على الرغم من التحديات الاقتصادية التي يشهدها البلاد، إلا أنّ منتجات التجميل لا تزال تحظى بإقبال واسع، حيث احتلت المرتبة 74 بين أكثر المنتجات استيرادًا في العراق خلال العام نفسه.

وتشير الإحصاءات إلى أن الإمارات العربية المتحدة تعد المصدر الرئيسي لمنتجات التجميل في العراق، حيث بلغت قيمة واردات العراق منها 79.5 مليون دولار، تليها تركيا بـ 16.4 مليون دولار، ثم فرنسا بـ 12.5 مليون دولار، مما يعكس تنوع مصادر استيراد هذه المنتجات وزيادة الإقبال عليها في السوق العراقية.


"لا شك أن ارتفاع سعر صرف الدولار ألقى بظلاله على مختلف القطاعات الاقتصادية في العراق، وسوق مستحضرات التجميل تأثرت بشكل مباشر بهذا الارتفاع، يوضح الخبير الاقتصادي منار محمد، " فمعظم مستحضرات التجميل تُستورد من الخارج، وبالتالي فإن ارتفاع سعر الدولار أدى إلى زيادة تكاليف استيرادها و ارتفاع أسعارها في السوق المحلية". ويضيف "هذه الزيادة في الأسعار أثّرت على القوة الشرائية للمستهلكين، خاصة مع تراجع الوضع الاقتصادي في البلاد. وقد لاحظنا تغيرًا في سلوك المستهلكين، مثل شراء منتجات من ماركات أقل شهرة ".

ويشير محمد إلى أن "هذا الوضع يمثل تحديًا كبيرًا للسوق المحلية، حيث تعاني محال بيع مستحضرات التجميل من تراجع في المبيعات، كما أن ارتفاع الأسعار يؤدي إلى انتشار المنتجات المقلدة ورديئة الجودة، مما يشكل خطرًا على صحة المستهلكين. ولكنه قد يشجّع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مجال صناعة مستحضرات التجميل على توفير بدائل محلية بأسعار مناسبة".

دور وسائل التواصل الإجتماعي في الحث على الشراء المفرط


"لوسائل التواصل الاجتماعي دور كبير في نجاح أي مشروع في عصرنا الحالي، فهي تعد بمثابة المحرك الأساسي للتسويق والوصول إلى مختلف الفئات العمرية." توضح سجى عمران، مدونة الموضة والأزياء، مضيفة

أن "هناك مشاريع تجارية تعتمد بشكل أساسي على التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتحقق مبيعات هائلة تفوق مبيعاتها في المحال التقليدية. وهذا يؤكد اهمية هذه المنصات في الوصول الى جمهور واسع و تحقيق أهداف التسويق بفعالية".

وتبين المؤثرة أنه "من خلال متابعتها لـلمؤثرين في مجال التجميل، فإنها تعتبر أن (سناب شات) يعد منصة فعالة جدا للترويج لمنتجات المكياج والعطور، خاصة عندما يكون ذلك من "خلال تجربة المنتج بشكل فعلي وشرح مفصّل لفوائده وطريقة استخدامه. وهو يُؤثّر بشكل كبير على القوة الشرائية للنساء من فئة 25 عاما فما فوق". أما الفئة العمرية الأصغر، من 18 الى بداية العشرينات، فترى سجى أن "(تيك توك) هو المحرك الرئيسي لخياراتهن الشرائية".


لكنها تُحذّر من خطر الاستهلاك المفرط الذي تشجعه وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة في مجال الموضة والتجميل، قائلة:


"في الماضي، كانت (الماركات) المتاحة محدودة، أما اليوم، فقد أصبحت هناك عشرات أو مئات (الماركات) من مختلف أنحاء العالم، وتساهم وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لها، مما يؤدي إلى تشتت المستهلك ودفعه إلى الشراء المفرط".


ولتجنّب ذلك، تُقدّم سجى بعض النصائح مثل " ضرورة التركيز على الجودة أكثر من العدد، واختيار (الماركات) الموثوقة وذات السمعة الطيبة، حتى وإن كانت أسعارها مرتفعة نسبيا". كما تدعو إلى تقسيم المشتريات على مواسم ومناسبات محددة، مثلا شراء العطور الشتوية في فصل الشتاء والعطور الصيفية في فصل الصيف، " لتجنّب تكديس المنتجات و المحافظة على الميزانية".


وتشير سجى إلى أن "تغير سعر صرف الدولار أثّر على توجهات النساء الشرائية، حيث أصبحن أكثر عقلانية وحرصا على اختيار منتجات التجميل والعطور". وتضيف "علينا أن نكون أكثر وعيًا بالتأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي على خياراتنا، وأن نفكّر جيّدا قبل شراء أي منتج، حتى لا نقع في فخ الاستهلاك المفرط والتقليد الأعمى لـ (الترندات)".



لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

Comentários


Follow Us !

Thanks for submitting!

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter

Thanks for submitting!

فتيات ضحايا لهيمنة العادات بمستقبل مجهول.png
bottom of page