اليمن تحت وطأة الألغام والسيول: كارثة إنسانية في قلب أزمة مناخية
- منال محمود هزاع الكوري - علياء فؤاد بن فرج
- 24 سبتمبر
- 4 دقيقة قراءة

منال محمود هزاع الكوري - علياء فؤاد بن فرج
كانت هدى البالغة من العمر 10 سنوات، من محافظة البيضاء، بصحبة أسرتها عندما انفجر لغم أرضي تحت قدمها أثناء رعايتها للمواشي في إحدى القرى النائية، وأدى الانفجار إلى بتر ساقها من تحت الركبة، بالإضافة إلى إصابات شديدة في يدها ووجهها نتيجة الشظايا.
تعاني الطفلة حاليا من آثار جسدية ونفسية عميقة بسبب الحادث، حيث يقول والدها أن حياتها تغيرت بالكامل بعد الحادث، ولا تزال تحتاج إلى رعاية طبية متخصصة، كما أن علاجها قد كلّف الأسرة مبالغ مالية كبيرة اضطرتها لبيع كل أملاكها، في الوقت الذي لا تُوفّر فيه المؤسسات الصحية المحلية الخدمات المناسبة لتلبية احتياجاتها، لذلك تعيش العائلة في حالة من العجز التام، خاصة في ظل غياب الدعم الطبي والنفسي لضحايا الانفجارات.
في بلدٍ أنهكته سنوات الحرب، لا تقتصر المعاناة على الرصاص والانفجارات بل تمتد لتشمل تهديدات صامتة وقاتلة كالألغام الأرضية والسيول المتكررة التي تكشف عنها. حسب مرصد الألغام البرية، قتل وأُصيب 582 شخصًا بالألغام في عام 2022، مقارنة بـ 528 حالة في 2021.
الألغام تزرع الموت تحت أقدام المدنيين، والسيول تجرف المنازل والمحاصيل وكل ذلك في ظل تغير مناخي يضرب البنية التحتية والقطاع الزراعي ويعزز من هشاشة الحياة اليومية في واحد من أكثر دول العالم ضعفًا في مواجهة الكوارث.
اليوم، اليمن ليست فقط ساحة صراع عسكري بل أيضًا نموذج حي لأزمة إنسانية مركبة تتقاطع فيها الكوارث البيئية مع غياب الدولة وتراجع الاستجابة الإنسانية.
الألغام تفتك بالسكان
في قرى اليمن ومدنه، لا تمثل الألغام مجرد بقايا حرب بل تهديدًا يوميًا يحصد الأرواح ويعوق عودة النازحين إلى منازلهم واستئناف الحياة الطبيعية، ووفقًا لمشروع "مسام لنزع الألغام"، تم تطهير أكثر من 63 مليون متر مربع من الأراضي، وتم نزع 486,108 لغمًا وعبوة ناسفة حتى مارس 2025، لكن الكارثة لا تزال قائمة حيث تنتشر آلاف الألغام في الطرقات والمزارع والمناطق السكنية، مهددة المدنيين خصوصًا الأطفال والنساء.
نزحت أروى، 30 عاما، من إحدى مناطق مدينة تعز الجبلية عام 2018 بسبب الحرب، لكن معاناتها لم تتوقف هناك، ففي إحدى الليالي الباردة كانت ذاهبة لجلب الحطب للتدفئة بالقرب من منزلها في المنطقة التي تعرضت للعديد من التفجيرات والاشتباكات، لتتفاجأ بانفجار لغم أرضي كان مدفونًا تحت الأرض، الانفجار أدى إلى بتر ساقها اليمنى وفقدان ثلاثة أصابع من يدها. وبسبب تدهور الأوضاع الإنسانية، لم تتمكن أروى من الحصول على أي دعم حكومي أو خدمات طبية لائقة، كما أن خطيبها تخلى عنها بسبب إصابتها، مما تركها في حالة من العزلة والفقر المدقع، وهي حاليا تعتمد على مساعدات فردية محدودة من بعض فاعلي الخير للحصول على لقمة العيش.
اتحاد، 39 عامًا، أم لطفلتين صغيرتين، تعرضت هي أيضا لحادث مشابه خلال جمعها للحطب في سنة 2020، حيث أدى انفجار لغم أرضي إلى بتر ساقيها، وكانت إصاباتها بالغة. تعيش اتحاد في الوقت الحاضر بإعاقة دائمة، دون أي تأهيل طبي، مما جعل وضعها أكثر صعوبة، ورغم محاولات المجتمع المحلي تقديم بعض المساعدة، إلا أن ذلك لا يغطي احتياجاتها الكثيرة، في ظل غياب الدعم الحكومي واستمرار الحرب.
شهد اليمن مؤخرًا موجات من السيول الجارفة دمرت المنازل والطرقات وتسببت في نزوح آلاف الأسر خصوصًا في المناطق الجبلية والمنخفضة، وقد أسهم تغير المناخ في تزايد حدة هذه السيول، نتيجة تغير أنماط هطول الأمطار وارتفاع معدلاتها بشكل غير منتظم، ما أدى إلى انجراف التربة وتفاقم الأضرار البيئية والاقتصادية. والأسوأ من ذلك هو أن السيول قامت بجرف الألغام إلى مناطق جديدة غير معروفة، مما ضاعف من حجم الكارثة.
تأثيرات تغير المناخ تهديد متزايد للأمن الغذائي
يُواجه اليمن، المصنف ضمن الدول الأكثر هشاشة مناخيًا، تحديات متزايدة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والفيضانات.
وتوضّح إيمان ناجي الظليمي، مهندسة متخصصة في المجال البيئي وصاحبة مبادرة "أثرنا أخضر" للمساهمة في نشر الوعي البيئي محليا وعربيا، أن العديد من المحافظات اليمنية عانت مؤخرا من ارتفاع درجات الحرارة ومن الفيضانات مثل المهرة وحضرموت وسقطرى، وكذلك من ارتفاع منسوب مياه البحر كما حدث في محافظة عدن. وتضيف أن نزول الأمطار بكميات كبيرة وتحولها إلى سيول بطريقة مدمرة يؤثر على الزراعة والأمن الغذائي لأنها تُساهم في إزالة التربة الزراعية وبالتالي يحتاج المزارع إلى أسمدة ومعالجة طويلة لتعود الأرض مناسبة من جديد للزراعة.
وتشير إلى أنه مع انتقال السيول من منطقة إلى أخرى قد تكون هذه السيول محملة بأشياء ضارة ومهددة للحياة أو ملوثة تضر بالتربة والمحاصيل الزراعية والمواطنين.
وقد تضرر القطاع الزراعي بشكل بالغ في اليمن، حيث أفادت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بتلف 98,726 هكتارًا من الأراضي الزراعية وبسبب انجراف التربة وتدمير المحاصيل، أصبح الأمن الغذائي أكثر هشاشة من أي وقت مضى.
وتعتبر الظليمي بأن الحلول لكل تلك المشكلات تكمن الاهتمام بالغطاء النباتي والتشجير ودراسة احتياجات ومشاكل كل مدينة وتحديد حاجياتها وفق ذلك، إلى جانب نص قوانين بيئية.
أما مدربة المناخ أمل أحمد محمد، فقد اقترحت تكثيف عمليات نزع الألغام، وتوفير خرائط إرشادية للسكان مع تحسين البنية التحتية لمواجهة السيول ودعم النازحين صحيًا وتعليميًا.
النزوح نزيف لا ينتهي
تشير تقارير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن الألغام والسيول تسببتا في موجات نزوح داخلية متكررة مع تسجيل مئات الأسر النازحة في عامي 2022 و2023. ويعاني النازحون من نقص الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم خاصة في المناطق النائية مما فاقم أوضاع النساء والأطفال بشكل خاص.
ورغم ضعف الأداء الحكومي، هناك مبادرات إنسانية تلعب دورًا محدودًا لكنه مؤثر، كمشروع "مسام لنزع الألغام" الذي يواصل جهود تطهير الأراضي من الألغام ومنظمة أطباء بلا حدود التي تقدم خدمات طبية متنقلة لضحايا الألغام والسيول، لكن تبقى هذه الجهود غير كافية ولا تشمل جميع المناطق المتضررة، ما يبرز الحاجة إلى تدخلات أكثر شمولية.
لذلك، لابد من الاستمرار في عملية نزع شامل للألغام وتوفير خرائط توعوية للسكان وتعزيز البنية التحتية ببناء حواجز مائية ومصارف طبيعية للسيول، إضافة لحماية النازحين وضمان وصولهم إلى الرعاية الصحية والتعليم. كذلك، يجب دعم الزراعة الذكية مناخيًا وتوفير بذور مقاومة للجفاف ورعاية ضحايا الألغام نفسيًا وجسديًا، وضمان الشفافية في العمل الإغاثي.
إن الأزمة في اليمن ليست أزمة حرب فقط بل هي أزمة مركبة تتشابك فيها عوامل الطبيعة والنزاع المسلح والإهمال، ولا سبيل للخروج منها إلا عبر استجابة إنسانية شاملة تستهدف الريف كما المدن، وتضمن العدالة والكرامة للضحايا. ومع استمرار دعم المجتمع الدولي والمحلي يمكن لليمن أن يشق طريقه نحو التعافي، وإن كان ببطء.
لقد تم انتاج هذا المقال ضمن مشروع اصوات نساء بلا حدود، مبادرة من منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ)، وبدعم من مركز الازمات التابع لوزارة اوروبا والشؤون الخارجية






تعليقات