ارتفاع درجات الحرارة والأمطار في اليمن يساهمان في تكاثر البعوض وانتشار الأمراض الفيروسية عند النساء والأطفال
- أشجان الفضلي وسعيدة الشيبه
- قبل يوم واحد
- 7 دقيقة قراءة

في محافظة أبين، أصيبت حنان عبد الله عام 2024 بالملاريا. بدأت الأعراض بحمى شديدة لم تستجب للأدوية الأولية، مما زرع في
نفسها استغرابًا وقلقًا.
" في البداية، لم يخطر ببالي أن أكون مصابة بهذا المرض، خاصة بعد الاعتقاد السائد بانحساره في اليمن لفترة من الزمن، لكن الفحوصات المخبرية قطعت الشك. لحسن حظي لم أعانِي من مضاعفات خطيرة، لكن آلام المفاصل وفقدان الشهية أتعباني كثيرا"، مضيفة أن "جفاف المياه وركودها، بالإضافة إلى الأمطار الغزيرة، ساهم بشكل كبير في زيادة انتشار المرض" في محيطها.
في اليمن الذي يواجه أزمة إنسانية حادة بسبب الحرب، يزيد تغير المناخ الوضع سوءًا، فارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط تساقط الأمطار يخلقان بيئة مثالية لتكاثر البعوض، مما يؤدي إلى انتشار الأمراض المنقولة بالنواقل. وتعتبر النساء والأطفال من الفئات الأكثر عرضة للإصابة بهذه الأمراض، خاصة مع هشاشة النظام الصحي القائم.
تكاثر البيئات الحاضنة للبعوض
تقع عدن على ساحل خليج عدن وتبلغ مساحتها 750 كيلومترًا مربعًا ويبلغ عدد سكانها حوالي 590 ألف نسمة. أما أبين، فتقع جنوب شرق اليمن وتبلغ مساحتها حوالي 21,489 كيلومترًا مربعًا ويبلغ عدد سكانها حوالي 434 ألف نسمة.
تُعاني عدن وأبين من تأثيرات التغيرات المناخية مثل ارتفاع درجات الحرارة، خاصة في الصيف، حيث تتراوح متوسطات درجات الحرارة بين 35 و 40 درجة مئوية، بينما تتراوح بين 18 و 22 درجة مئوية في فصل الشتاء مما يؤثر سلبًا على صحة السكان. كما شهدت عدن فيضانات مدمرة في 4/6/2020م نتيجة الأمطار الغزيرة، مما أدى إلى تضرر البنية التحتية وخسائر في الأرواح.
يُسرّع ارتفاع درجات الحرارة وتيرة تكاثر البعوض، كما يوفر الظروف المثالية لبقائه على قيد الحياة في مختلف مراحله، وبالتالي زيادة الأعداد القادرة على نقل الأمراض. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لارتفاع الحر أن يقلل من فترة حضانة الفيروسات داخل البعوض، مما يجعله ناقلًا للأمراض بشكل أسرع.
أما بالنسبة لتغير أنماط هطول التساقطات، فإن زيادة الأمطار تؤدي إلى تكوين برك ومستنقعات راكدة توفر بيئات حاضنة مثالية لتكاثر البعوض الذي يضع بيضه في هذه المياه. وفي حين تخلق الفيضانات بركًا مؤقتة، يؤدي الجفاف إلى تجمع المياه في مناطق محدودة، وكلاهما يزيد من فرص تكاثر البعوض. من جهة أخرى، تساهم زيادة الأمطار في نمو النباتات التي توفر الظل والرطوبة المناسبة للبعوض البالغ. كما أن تغير أنماط الرياح يساعد في نقل هذه الحشرات إلى مناطق جديدة لم يكن موجودًا فيها من قبل، مما يزيد من انتشاره.
وبما أن محافظتي عدن وأبين مناطق ساحلية ذات درجات حرارة مرتفعة، فهما تعتبران بيئات حاضنة للعديد من أنواع البعوض، مما يزيد من خطر انتشار الأمراض بين السكان.
خلال عام 2024، ربطت التقارير بين الفيضانات التي شهدتها عدن في سبتمبر وتفشي وباء الملاريا، كما لوحظت زيادة كبيرة في حالات الحُمّيات في محافظة تعز تجاوزت 100%. وفي أبريل من العام نفسه، أشارت الإحصائيات إلى وباء ملاريا واسع النطاق في اليمن، حيث تجاوزت الإصابات 82,000 حالة وبلغت الوفيات 2250 حالة، معظمها في أوساط الأطفال والنساء الحوامل. وفي الشهر نفسه، حذر باحثون من تأثير تغير المناخ على صحة نواقل الأمراض المعدية، داعين إلى تعزيز الوعي والاستعداد الطبي.
وفيما يتعلق بالوضع في اليمن بشكل عام، أكدت منظمة الصحة العالمية في عام 2016 أن الملاريا مرض متوطن، حيث سُجلت أعداد كبيرة من الحالات المشتبهة والمؤكدة في عام 2015.
في أغسطس 2022، أشارت دراسة نشرت في مجلة "Nature Climate Change" إلى أن تغير المناخ يلعب دورًا محوريًا في زيادة انتشار الأمراض المعدية على مستوى العالم، متوقعة تفاقم 58% من الأمراض بسبب الارتفاع في درجات الحرارة والظواهر المناخية المتطرفة.
وفي سياق متصل، أكدت دراسة أخرى نشرت في مجلة "لانسيت بلانيتري هيلث" في يوليو 2022، التأثير المباشر لتغير المناخ على انتشار البعوض في مناطق مثل سريلانكا، مما يزيد من خطر الإصابة بحمى الضنك. ) .بشكل عام، فإن تغير أنماط هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة يؤثران بشكل مباشر على انتشار البعوض والأمراض التي ينقلها، وهو ما يفسر جزئيًا تفشي الملاريا في اليمن عقب الفيضانات. بالإضافة إلى ذلك، يُشار إلى احتمالية وصول أنواع جديدة من البعوض، مثل "البعوض الأفريقي"، كنتيجة للتغيرات البيئية، مما يزيد من تعقيد الوضع.
يشكل البعوض الغازي أنوفيليس ستيفنسي (Anopheles stephensi)، المعروف بقدرته على التكاثر في المناطق الحضرية ومقاومته للمبيدات، تهديدًا متزايدًا فيما يخص تفشي الملاريا. ويساهم التغير المناخي بشكل كبير في انتشاره؛ فارتفاع درجات الحرارة يسرّع دورة حياته ونمو الطفيليات بداخله، بينما تخلق أنماط هطول الأمطار المتغيرة (جفاف يؤدي لتخزين المياه، أو فيضانات تخلق تجمعات مياه) بيئات تكاثر مثالية، مما يوسع نطاقه الجغرافي ويزيد من خطر انتشار الملاريا في مناطق لم تكن مستهدفة سابقًا.
"تؤكد الأخصائية في إدارة المخلفات الإلكترونية والكهربائية، سبأ عمر باوزير، أن الارتفاع الملحوظ في منسوب المياه يعود بشكل مباشر إلى زيادة غزارة الأمطار. وتربط باوزير هذا الأمر بالتغيرات المناخية التي تؤثر على خصائص الطقس في كل دولة. وتشير إلى نقطة بالغة الأهمية وهي عدم قدرة اليمن على مواجهة هذا الارتفاع في منسوب المياه أو الزيادة في الأمطار، خاصة وأن السدود الموجودة حاليًا قد صُممت لاستيعاب كميات محددة من الأمطار بناءً على المعدلات السابقة.
في أبريل 2024 سجل اليمن أكثر من 82 ألف إصابة بالملاريا و2250 حالة وفاة، كان أغلب ضحاياها من الأطفال والنساء الحوامل، وهي الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع.
التحديات التي تواجه النساء والأطفال في الوصول إلى الرعاية الصحية
في ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة باليمن، تواجه النساء والأطفال تحديات متزايدة في الحصول على الرعاية الصحية الأساسية. ويتفاقم هذا الوضع مع انتشار الأمراض المنقولة كالملاريا وحمى الضنك، مستغلة البيئة الصحية المتردية.
في أول ليلة من رمضان 2020 بعدن، تحولت ليلة نجلاء (44 عامًا) الهادئة إلى كابوس. فبعد تنظيف منزلها وشعورها بوهن بسيط، عجزت فجأة عن الحركة عند محاولة الوقوف. تبعت ذلك حمى شديدة وآلام مبرحة اجتاحت مفاصلها وجسدها. وجاء التشخيص في المستشفى: حميات.
تتذكر نجلاء الأمطار الغزيرة التي سبقت ليلة مرضها والأيام العصيبة من الألم الشديد التي عانتها والتي تركت في ذاكرتها تساؤلات عديدة عن أسباب هذا الوباء المفاجئ.
بدأت رحلة عبد الله علي فرج، التلميذ في الصف الرابع الابتدائي، مع المرض بحمى شديدة. في البداية، شُخصت حالته في المستشفى على أنها حمى الضنك، لكن بعد عودته وتدهور حالته، تبين أنها الملاريا. تلقى عبد الله العلاج اللازم، لكن فترة المرض استمرت أسبوعين كان يعاني فيها من حمى شديدة وآلام في الجسم، مما جعله غير قادر على الوقوف أو اللعب أو حتى تناول الطعام بسهولة. خلال تلك الفترة، كان يشرب عصائر طبيعية ووصفات شعبية مثل عصير العمبا (البابايا) والكيوي. كانت والدته تشعر بقلق بالغ عليه، بينما أحاطه أهله جميعًا بالرعاية والاهتمام.
في ربيع العمر، وبينما كان يفترض أن تكون خطواتها واثقة نحو مقاعد الدراسة، وجدت ابها ميثاق، 14 سنة، جسدها متهالكًا تحت وطأة مرض قاسٍ. " السنة الماضية، فوجئت بألم مُفَتِّت للعظام، سلبني القدرة على المشي، الفحوصات كشفت عن حقيقة مُرَّة: إنها الحميات... أيامٌ طوال قضيتها بعيدا عن المدرسة"، تتحسر المراهقة. وبين نصائح مختلفة تفتقر إلى أساس علمي، وجدت الطفلة عزاءً مؤقتًا في حلاوة البابايا والكيوي. تحسنت ببطء، لكن تجربتها تركت في قلبها ندبة، وفي ذاكرتها صورة مؤلمة عن مرض لم تجد له علاجًا واضحًا وسريعًا.
هذه الحالات ليست حالات فردية، وإنما تفضح غياب استراتيجيات واضحة وفعالة لمكافحة الحميات وتوفير العلاج المناسب للمرضى.
النزاعات تُفاقم الوضع الوبائي
أكد الدكتور ياسر باهشم، المدير التنفيذي للبرنامج الوطني لمكافحة الملاريا وأمراض النواقل، أن المناطق الساحلية والوديان تُعد الأكثر عرضة للملاريا، حيث تحتل محافظة عدن الصدارة، يليها الساحل الغربي. كما حدد مناطق أخرى تشهد ارتفاعًا في الإصابات مثل مديرية المسيمير في محافظة لحج، والأزرق في محافظة الضالع، ومديريتي خنفر وأحور في محافظة أبين، ووادي جردان في محافظة شبوة.
وأوضح أن حالات الإصابة بالملاريا انخفضت في الفترة من عام 2000 إلى عام 2014، إلا أن الوضع العام للنزاع في اليمن منذ عام 2015 أدى إلى ارتفاع ملحوظ في الإصابات. ويُعزى ذلك إلى نزوح الأفراد من المناطق الموبوءة، بالإضافة إلى تدفق المهاجرين غير الشرعيين من القرن الأفريقي بأعداد كبيرة.
في مقابلة تلفزيونية بُثت بتاريخ 20 أبريل 2025 عبر قناة الجمهورية، أوضح الدكتور مجدي سيف الداعري، مدير الترصد الوبائي في عدن، حجم انتشار الأمراض المنقولة بالنواقل في محافظة عدن، الذي وصل إلى 50 ألف حالة إصابة منذ بداية العام، بالإضافة الى 12 حالة وفاة بسبب حمى الضنك نتيجة التأخر في تلقي العلاج. وأشار إلى أن عام 2024 شهد تسجيل حوالي 150 ألف حالة إصابة بأمراض مختلفة، بينما لا تزال الإحصائيات النهائية لعام 2025 قيد التحديد.
تُظهر بيانات الرصد الوبائي الصادرة عن مركز الأمومة والطفولة في منطقة الكود بمحافظة أبين ارتفاعًا ملحوظًا في حالات حمى الضنك بين النساء خلال عام 2023، حيث سُجلت 24 حالة مقارنة بـ 6 حالات فقط في عام 2022. والجدير بالذكر أن حمى الضنك هي مرض يُنقل بالبعوض وينتشر في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية من العالم. وتتسبب حمى الضنك الخفيفة في الإصابة بحمى شديدة وظهور أعراض شبيهة بأعراض الإنفلونزا. ويمكن أن يؤدي أحد أشكال حمى الضنك الشديدة -والمعروف باسم حمى الضنك النزفية- إلى نزيف وانخفاض مفاجئ في ضغط الدم (صدمة) والوفاة. ومن أعراضها: الصداع، ألم العضلات أو المفاصل، الغثيان، القيء، ألم خلف العينين، تورم الغدد والطفح الجلدي .
من جهته، أوضح علي مخشم، مدير إدارة التثقيف في البرنامج الوطني لمكافحة الملاريا وأمراض النواقل، الخطر البالغ الذي تمثله الأمراض المنقولة على صحة الأم الحامل. وشدد بشكل خاص على خطورة الإصابة بالملاريا أثناء الحمل، مشيرًا إلى أنها قد تؤدي إلى الإجهاض المبكر وتمثل تهديدًا جسيمًا لصحة الأم والجنين على حد سواء. وأكد أنها قابلة للعلاج إذا ما تم اكتشافها في مراحلها الأولى. وشدد كذلك على ضرورة التزام النساء الحوامل بالتدابير الوقائية المعروفة، مثل استخدام الناموسيات المعالجة بالمبيدات والأدوية الوقائية، كما نصح بضرورة التوجه الفوري إلى الطبيب عند ظهور أي من أعراض الحمى أو الشعور بالضعف الشديد.
الجهود الحكومية لمكافحة البعوض والوقاية من الأمراض
في ظل هذه التحديات الجسيمة، تبرز أهمية استعراض وتقييم الجهود الحكومية المبذولة لمكافحة البعوض والوقاية من الأمراض في اليمن. في هذا الصدد، أوضح الدكتور ياسر باهشم، المدير التنفيذي للبرنامج الوطني لمكافحة الملاريا وأمراض النواقل، أن البرنامج يمتلك شبكة واسعة من المرافق الصحية المنتشرة في جميع محافظات البلاد، حيث يبلغ عددها 629 مرفقًا. وأشار إلى أن البرنامج الوطني قد تأسس في صنعاء عام 2000م، وتمت إعادة هيكلته وتعزيزه في عام 2020م لمواجهة التحديات المتزايدة.
وفي إطار الجهود الحالية، تحدّث عن تنفيذ حملة توعية نشطة تستهدف المجتمعات المحلية شاركت فيها 400 متطوعة في محافظة عدن وحدها، تولين خلالها مهمة الوصول إلى المنازل وتقديم التوعية اللازمة للأسر، بالإضافة إلى تفتيش البيوت والمناطق المحيطة بها للكشف عن مصادر توالد النواقل المرضية. وقد تم تدشين هذه الحملة الهامة في شهر فبراير من السنة الحالية.
ذكّر الدكتور باهشم كذلك بتوفر علاج خاص ومجاني للنساء الحوامل، مؤكدًا على أن الاكتشاف المبكر للمرض والتشخيص الصحيح يلعبان دورًا حاسمًا في حماية صحة الأم والجنين، بينما التأخر في ذلك قد يؤدي إلى عواقب وخيمة تصل إلى الوفاة.
من جانبها، وفي إطار الجهود المستمرة لمكافحة الأمراض المنقولة بالنواقل في محافظة أبين، أكدت مديرة المركز الأمومة والطفولة في الكود، ومسؤولة الترصد الوبائي في المنطقة د. عيناء كريف، على أهمية تعزيز الوصول إلى الرعاية الصحية وتوفير الأدوية اللازمة للنساء الحوامل. وأشارت إلى أن الوضع الصحي قد تدهور نتيجة لتوقف المنظمات عن الدعم، مما زاد من صعوبة الحصول على العناية الطبية. وأكّدت أيضا على الحاجة الملحة لتنظيم حملات توعية شاملة وتوزيع مواد تعليمية، بالإضافة إلى دعم برامج التدريب للكوادر الصحية. وأوضحت أن المجتمع المحلي يلعب دورًا حيويًا في نشر الوعي وتنظيم حملات رش دورية لمكافحة انتشار الأمراض. ولكن هذه الجهود تتطلب استئناف الدعم الدولي لضمان مستقبل صحي أفضل للنساء والأطفال في المنطقة.
" الاكتشاف المبكر للمرض والتشخيص الصحيح يلعبان دورًا حاسمًا في حماية صحة الأم والجنين، بينما التأخر في ذلك قد يؤدي إلى عواقب وخيمة تصل إلى الوفاة."
لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)






تعليقات