top of page

استخدام التكنولوجيا يُعمّق أزمة المناخ

ree

قد يبدو إرسال رسالة بسيطة أو البحث عن معلومة عبر الإنترنت أمرًا بلا أثر، لكن الحقيقة أن لكل نقرة على لوحة المفاتيح بصمة كربونية، فالطاقة اللازمة لتشغيل الخوادم وتخزين البيانات ونقل المعلومات حول العالم تساهم بشكل مباشر في انبعاث الغازات الدفيئة، وتزيد من عبء التغير المناخي الذي يهدد كوكبنا.


لعل أحد أكثر الجوانب إشكالية في استخدام البريد الإلكتروني هو الاستخدام المفرط لميزات "الرد على الكل" و CC الذي يضاعف دون داع عدد الرسائل المخزنة والمعالجة بواسطة الخوادم. على سبيل المثال، في بيئات الشركات تنتشر رسائل البريد الإلكتروني الجماعية الروتينية والبريد العشوائي الداخلي وسلاسل رسائل البريد الإلكتروني المفرطة، مما يؤدي إلى تضخم البصمة الرقمية. ويتلقى موظف المكتب العادي حوالي 121 رسالة بريد الكتروني يوميا، والعديد منها زائد عن الحاجة أو غير ذي صلة، ومع ذلك يتم تخزينها جميعا على خوادم كثيفة الاستهلاك للطاقة. والمشكلة لا تتعلق فقط بالحجم بل أيضا بالمدة، فغالبا ما تبقى رسائل البريد الإلكتروني في صناديق البريد الوارد والمحفوظات إلى أجل غير مسمى، مما يزيد في حجم النفايات الرقمية.


 التأثير البيئي لاستخدام الذكاء الاصطناعي


على قدر ما يوفر الذكاء الاصطناعي فرصًا هائلة لتحسين البيئة وكفاءة الموارد، لكنه في الوقت ذاته، قد يساهم في مفاقمة أزمة التغير المناخي.


فبفضل قدرته على معالجة كميات هائلة من البيانات والتنبؤ بالأنماط، يُستخدم اليوم في إدارة استهلاك الطاقة داخل المباني الذكية ومراكز البيانات، حيث تتيح الخوارزميات تقليل الهدر وتشغيل الأجهزة فقط عند الحاجة، وقد تمكنت شركات كبرى مثل جوجل من خفض استهلاك الطاقة في مراكز بياناتها بنسبة 40%عبر أنظمة الذكاء الاصطناعي. وعلى المستوى الزراعي، تسهم التطبيقات الذكية في مراقبة التربة والطقس بدقة، مما يساعد المزارعين على ترشيد استخدام المياه والأسمدة وتقليل التلوث.


تشرح الصحفية والناشطة البيئية التركية يشيم يوكسل أنّ التقنيات الرقمية، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، تحمل بصمة كربونية ومائية خفية، رغم فائدتها في تسهيل الحياة اليومية، فكل عملية رقمية بدءا من إرسال بريد إلكتروني ووصولا إلى إنشاء نصوص عبر منصات الذكاء الاصطناعي تتطلب طاقة كهربائية ضخمة لتشغيل الخوادم ومراكز البيانات التي تخزّن هذه المعلومات. هذه المراكز لا تستهلك الكهرباء فحسب، بل تحتاج كذلك إلى كميات كبيرة من المياه لتبريد أجهزتها ومنع ارتفاع درجة حرارتها. وتستشهد يشيم  بدراسات صادرة عن جامعة كاليفورنيا ومقالات صادرة عن واشنطن بوست توضح أن رسالة إلكترونية مكونة من 100 كلمة يولّدها نظام ذكاء اصطناعي قد تستهلك نحو 519 مليلترًا من المياه في كل مرة، أي ما يعادل نحو 27 لترًا من المياه إذا أُرسلت رسالة مماثلة مرة واحدة أسبوعيًا على مدار سنة.  كما تشير بيانات carbon Literacy Project  إلى أن مجرد إرسال أو استقبال بريد إلكتروني قصير عبر الهاتف يطلق ما يقارب 0.2 غرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، بينما يرتفع الرقم إلى 0.3 غرام عند استخدام الحاسوب المحمول. أما كتابة رسالة طويلة تستغرق عشر دقائق ثم إرسالها من الحاسوب فقد ينتج عنها نحو 17 غرامًا من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعادل قيادة سيارة لمسافة تقارب 100 متر باستخدام البنزين.


وترى يوكسل أن هذه الأرقام تكشف جانبًا غير مرئي من حياتنا الرقمية، حيث تُسهم ملايين الرسائل اليومية واستخدامات الذكاء الاصطناعي في زيادة الانبعاثات الحرارية دون أن نشعر. وتلفت إلى أن منطقة الشرق الأوسط  تشهد إدماجًا متسارعًا للذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات، لكن مستوى الوعي العام بالإنعكاسات البيئية لا يزال محدودًا أمام هذا التوسع السريع.

ولمواجهة هذه التحديات، تدعو يوكسل الحكومات والشركات إلى ترشيد استهلاك الطاقة في مراكز البيانات وتوسيع الاعتماد على الطاقة المتجددة، مع ضرورة توعية المواطنين بالأثر البيئي لأنشطتهم الرقمية اليومية وتشجيعهم على تقليل الاستهلاك غير الضروري. كما تؤكد أنّ تعاون الصحفيين البيئيين مع الخبراء ضروري لتبسيط هذه المعلومات المعقدة وإيصالها إلى الجمهور بطريقة واضحة، بما يضمن وعيًا بيئيًا يواكب تسارع التطور التقني.


غياب البيانات الدقيقة عن استهلاك الكهرباء


يصعب في العراق تحديد حجم استهلاك البنية التحتية الرقمية مثل شبكات الإنترنت ومراكز البيانات من الطاقة الكهربائية في غياب بيانات دقيقة عن استهلاك المواطنين للكهرباء. في هذا الصدد، يفسّر أحمد النعيمي، نائب رئيس الفريق الوطني للبيئة في العراق، وهو عبارة عن فريق يتشكل من مجموعة أشخاص يعملون بعدة قطاعات حكومية كوزارة البيئة والموارد ووزارة الزراعة ، يقول احمد: أنَّ نصف البيوت العراقية تقريبًا لا تمتلك حتى اليوم عدادات كهرباء، وهو ما يجعل من الصعب معرفة كمية الطاقة التي يستهلكها المواطنون. ويضيف أن الحكومة نفسها تواجه صعوبة في تقدير حجم الطاقة المستهلكة، إذ لا تدخل سوى نحو 50 في المئة من الكهرباء المجهزة للمواطنين ضمن منظومة الجباية الرسمية، بينما يذهب النصف الآخر خارج نطاق الحسابات.

ويشير النعيمي إلى أن المشكلة لا تتوقف عند نقص العدادات، بل تتعداها إلى غياب الضوابط الحكومية على استيراد الأجهزة الكهربائية منذ عام 2003، الأمر الذي سمح بدخول ملايين الأجهزة يوميًا عبر المنافذ الحدودية دون رقابة. هذا الانفلات يزيد من استهلاك الطاقة والانبعاثات الكربونية في وقت يعاني فيه العراق أصلًا من عجز في إنتاج الكهرباء.

هكذا فإن إدراك الأثر البيئي لعالمنا الرقمي لم يعد اليوم رفاهية، بل ضرورة حيوية، فكل نقرة على لوحة المفاتيح وكل استخدام للتقنيات التكنولوجية يحمل تبعات على مواردنا الطبيعية. وإذا استمرينا في تجاهل هذه الحقائق، فإن التكنولوجيا التي صُمّمت لتسهيل حياتنا قد تتحول إلى عامل إضافي يفاقم أزمة المناخ والمياه والطاقة في العراق وفي العالم ككل.


لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

تعليقات


Thanks for submitting!

Follow Us !

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter

Thanks for submitting!

فتيات ضحايا لهيمنة العادات بمستقبل مجهول.png
bottom of page