top of page

أن تكوني أمرأة " دي جي" في بغداد: مسار محفوف بالعقبات وأمل في فتح مساحات جديدة للنساء

تاريخ التحديث: قبل 3 أيام

ree

"واجهت تعليقات جارحة ومنافسات من قبل زملاء في العمل  وتحرشا من المُشغّلين، لكن هذا لم يمنعني من الإستمرار في هذا المجال الذي تركت وظيفتي لممارسته"، تقول"الدي جي" بيلا، 30 عاماً بغداد.


في مجتمع ما زال يربط عمل "الدي جي" وموسيقى "التكنو" بالنوادي الليلية و"السمعة السيئة"، يصبح لزاما على من يمارسن هذه المهنة من النساء إخفاء الوجه أواستخدام أسماء مستعارة لأن الظهور العلني قد يعرضهن للتحرش والوصم.

نعرض في هذا التقرير قصصا لنساء اخترن أن يدخلن عالم التنسيق الموسيقي (الدي جي) وواجهن تحديات عديدة لكنها لم تثنهن على إكمال مسيرتهن.



التعويل على الذات: الطريقة الوحيدة للتعلم


في بلد يخلو من المعاهد الموسيقية المتخصصة ويضع الموسيقى الإلكترونية في خانة "التهميش"، اختارت الشابات اللواتي حاورنهن أن يتعلمن موسيقى "التكنو" بأنفسهن، في غرف مغلقة وبأجهزة بسيطة، فيما وجدت إحداهن صدفةً فرصة تدريب قصير.

عام 2007، رافقت رؤى العزاوي  وهي في سن السادسة عشرة، والديها المصورين إلى الأعراس، لتجد نفسها أمام جهاز "الدي جي". وما بدأ بفضول عابر تحول فيما بعد إلى شغف دائم، وراحت تعُلم نفسها عبر سماع "الكاسيتات" و"السيديهات"، في غياب أية مدرسة تحتضنها أو تساعدها على تطوير مهاراتها، وكان عليها أن تجرّب وتخطأ وتصيب. 

أما سهر والمعروفة باسم "بيلا"، وحينما بلغت الثامنة والعشرين من عمرها، تركت عملها المكتبي، وقررت أن تُنفق مدخراتها القليلة على شراء معدات موسيقية تمكّنها من دخول عالم "التكنو". تلقت دروسا قصيرة من "دي جي سيفو"، ليكون التدريب المحدود بمثابة نافذة فتحت أمامها عالماً جديداً وأعطتها ثقة دفعتها إلى مواجهة جمهور حقيقي، والتمسك بخيارها الشخصي كمنسقة موسيقية.

نور، البالغة من العمر ستة وعشرين سنة،  بدأ شغفها بموسيقى "التكنو"  بعد أن زارت مهرجانات موسيقية عديدة وتركت الإيقاعات في نفسها إعجابا كبيرا. لذلك تعلمت على يد صديقة مقربة تعمل أيضاً كمنسقة دي جي، وبدأت شيئا فشيئا بتطوير مهاراتها. وهي لا توفت فرضة لتلتحق بأي تدريب متاح حتى تستطيع  أن تخرج يوماً إلى فضاء أوسع.

من جهتها، تقول أوريان، المعروفة باسم"Olympe4000"، وهي "دي جي" ومنتجة موسيقية أسست منصات لدعم الفنانين الشبان في مجال الموسيقى الإلكترونية، وقامت بتدريب مجموعة من الفتيات العراقيات في هذا المجال، مع منظمة  المساعدات الإنسانية والصحافة، أنه" في البداية، ترددت بعضهن في لمس الأجهزة، لكن ما إن بدأن تشغيل أولى مجموعاتهن حتى رأيت الثقة تكبر في أعينهن." وتضيف أن بعض المشاركات بدأن مسيرتهن في مجال التنسيق الموسيقي مباشرة بعد الورشة، عبر البحث عن فرص صغيرة للعروض.


عالم ذكوري بامتياز


أن تكوني امرأة في عالم "التكنو" يعني أن تواجهي تحديات كثيرة،


فبينما يُنظر إلى الرجل "الدي جي" كفنان، تُسأل المرأة عما إذا كانت موسيقاها "محترمة" وتمارس في أماكن "محترمة". في هذا الصدد، تقول بيلا، أنها تجد نفسها دائما مضطرة لأن تُفسّر مرارا وتكرار أن عملها يقتصر على حفلات نسائية وعائلية، وكأنها مطالبة دوماً بتقديم إثبات على حسن سلوكها.

وفي الوقت الذي وجدت فيه دعماً واسعاً من جمهور صفق لموسيقاها وتفاعل معها، اصطدمت بأصحاب أماكن العمل الذين حاولوا ابتزازها أو التقليل من شأنها، وبزملاء رجال نصحوها علناً بالابتعاد عن عالم " الدي جي" لأنه " لا يناسب النساء". ولم يقتصر الأمر على النصائح، بل تحول إلى مقاومة شرسة، من تعليقات جارحة، ومحاولات لحصرها في الأغاني الشعبية. لكن دعم عائلتها وخطيبها منحها ثقةً مضاعفة، لتتمسك بهويتها الموسيقية، وتصر على تقديم "التكنو" و"الهاوس" و"الديب هاوس" كخيارات فنية عالمية. وحوّلت التعليقات المسيئة على وسائل التواصل الإجتماعي إلى وقود يدفعها للعمل أكثر.

لا تنكر الشابات اللواتي حاورناهن أنهن وجدن في العائلة سنداً مهماً لخوض تجربة التنسيق الموسيقي، لكن ذلك لم يلغ الخوف من الوصم، فنور التي طالما نالت دعماً من أسرتها لا تزال تفضل إخفاء اسمها وصورتها عن العلن، وتخشى أن يتحول الحلم إلى وصمة في محيطها الإجتماعي.


التخفي خلف الأقنعة والأسماء المستعارة


ترى أوريان أن مجتمع "الدي جي" في العراق ما زال صغيرًا ويغلب عليه الطابع الذكوري، لذلك تلجأ بعض "الدي جيات" من النساء إلى لبس أقنعة واستعمال أسماء مستعارة كوسيلة للإحتماء من مجتمع يراقبهن أكثر مما يستمع إليهن. وما قد يبدو إكسسواراً فنياً على المسرح هو في الحقيقة درع يحمي من المراقبة، وجدار يقي من التهديدات، حيث تخفي بعضهن وجهها خلف أقنعة لامعة، أو يقدمن أنفسهن بأسماء لا تشير إلى هويتهن.


كان من المفترض أن نروي في هذا التقرير قصة شابة رابعة. نالت دعماً مشروطاً من عائلتها، على أن تخفي اسمها وصوتها خلف قناع واسم مستعار. لكن الأقنعة لم تحميها طويلاً، واسمها المستعار لم يكف ليسكت أقربائها المتلصصين على خياراتها وحياتها. وبعد عامين من بناء اسمها في حفلات نسائية ببغداد وأربيل، وجدت نفسها أمام ضغوط العائلة، ونظرات الأقارب، وغياب بيئة آمنة تحميها. عندها اضطرت إلى الاعتزال المبكر، واعتذرت عن مشاركة قصتها خوفاً على حياتها، مكتفية بحلم وموهبة لم يُسمح لهما أن يكتملا.


رغم التحديات،  تبقى أوريان المدربة، متفائلة وتقول " هناك شغف واضح بالموسيقى بين الشابات اللواتي بدأن تدريجيًا في خلق مساحتهن الخاصة"، مضيفة " ما نحتاج إليه هو مزيد من الدعم والمساحات الآمنة والشبكات التي تساعدهن على الاستمرار."

هكذا تصبح مهنة "الدي جي"  فعل مقاومة وإيقاعا يتحدى قيد المجتمع في بلد يطالب النساء بالانزواء خلف الأدوار التقليدية، ولكن المنسقات الموسيقيات يصنعن من الموسيقى مساحة لحرية شخصية وجماعية معاً، ويبرهنن أن "التكنو" ليس لهواً عابراً بل فناً يحتاج إلى الشغف والانضباط.



لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)



تعليقات


Follow Us !

Thanks for submitting!

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter

Thanks for submitting!

فتيات ضحايا لهيمنة العادات بمستقبل مجهول.png
bottom of page