top of page

المرأة العراقية في مراكز صنع القرار: حضور ضعيف رغم القدرة على تحقيق التنمية المستدامة

صورة الكاتب: فاطمة نعمةفاطمة نعمة


لطالما لعبت المرأة العراقية دورًا أساسيًا في بناء المجتمع، لكنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة في الوصول إلى المناصب القيادية داخل المؤسسات باختلافها. وفقًا لتقرير  البنك الدولي لعام 2023، تشغل النساء في العراق أقل من 15% من المناصب القيادية في القطاعين الحكومي والخاص، مقارنةً بمتوسط عالمي يبلغ 31%. ورغم جهود تعزيز المساواة، إلا أن التقدم لا يزال بطيئًا، ما ينعكس على تحقيق التنمية المستدامة في العراق.


تتمثل أبرز التحديات التي تواجه المرأة العراقية للوصول إلى مراكز القرار في التمييز على المستويين القانوني والاجتماعي، حيث أن المادة 49 من الدستور العراقي تدعو إلى تمثيل عادل للنساء، لكن تطبيقها يواجه عراقيل بسبب الأعراف الاجتماعية والتفسيرات المجحفة لبعض القوانين. كذلك يشكّل نقص البرامج التدريبية والتطويرية لفائدتهن، عائقًا، إذ تشير دراسة صادرة عن منظمة تمكين المرأة العراقية لعام 2022 إلى أن 72% من النساء القادرات على القيادة يعانين من غياب التدريب والتوجيه المهني. ينضاف إلى كل ذلك، العنف السياسي ضد المرأة الذي يشكل تهديدًا كبيرًا، حيث وثّقت هيومن رايتس ووتش تعرض العديد من النساء السياسيات لحملات تشويه وتهديدات تحد من مشاركتهن الفعالة في الفضاء العام.


ورغم هذه التحديات، هناك بعض الممارسات الناجحة التي ساهمت في تعزيز دور المرأة، مثل نظام الكوتا النسائية، الذي رفع نسبة مشاركة النساء في البرلمان العراقي إلى 27%، إضافة إلى برامج الأمم المتحدة لدعم القيادات النسائية.


إن تمكين المرأة في المناصب القيادية ليس مجرد قضية إنصاف اجتماعي، بل هو ضرورة لتحقيق سياسات شاملة ومستدامة تساهم في دفع عجلة التنمية في العراق. ومن المهم الإشارة إلى أن مصطلح "القيادة" هنا لا يقتصر على النساء العاملات في السياسة فقط، بل يشمل أيضًا القيادات في مختلف المجالات، مثل الإدارة العامة، الاقتصاد، المجتمع المدني، التعليم، وحتى القطاعات التقنية والعلمية, فالمرأة القيادية ليست فقط وزيرة أو برلمانية، بل يمكن أن تكون مديرة شركة، رئيسة جامعة، أو قائدة مشروع مجتمعي يسهم في صنع القرار وتحقيق التنمية.


دور المرأة في صنع القرار


تساهم المرأة العراقية في مجالات عدة، بدءًا من السياسة ووصولًا إلى الإدارة العامة والقطاع الخاص. ومع ذلك، يظل تمثيلها في المناصب القيادية ضعيفًا مقارنةً بالرجل. وفقًا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) لعام 2023، فإن نسبة النساء في المناصب التنفيذية العليا داخل المؤسسات الحكومية العراقية لا تتجاوز 6%، في حين تبلغ النسبة في القطاع الخاص 12% فقط، مما يشير إلى فجوة واضحة في المشاركة القيادية.


هناك عدة عوائق أمام مشاركة المرأة في صنع القرار، يمكن تلخيصها كالآتي:

1- العوامل القانونية والمؤسساتية: رغم وجود قوانين تدعم تمثيل المرأة، مثل الكوتا النسائية، إلا أن المناصب التنفيذية لا تزال تحت سيطرة الذكور بنسبة أكثر من 90%.

2- العوائق الاجتماعية والثقافية: وفقًا لاستطلاع منظمة تمكين المرأة العراقية، فإن 68% من النساء القياديات أشرن إلى أن العادات والتقاليد تشكل عائقًا أمام حصولهن على مناصب قيادية.

3- ضعف شبكات الدعم السياسي والمهني: أشار تقرير هيومن رايتس ووتش إلى أن 70% من النساء في مختلف القطاعات يواجهن تحديات مثل الإقصاء من مراكز صنع القرار، ونقص الدعم المؤسساتي سواء في السياسة أو الإدارة أو القطاع الخاص.


يتناقض هذا مع النتائج الإيجابية لمشاركة المرأة في القيادة في أي مجال تكون فيه، فقد أظهرت دراسة مجلس البحوث الاقتصادية والاجتماعية (ESRC) أن المؤسسات التي تضم نساء في مواقع صنع القرار تحقق تحسّنًا بنسبة 35% في فعالية السياسات العامة والإدارية. وبيّنت دراسة أخرى نشرتها منظمة الأمم المتحدة للمرأة عام 2023، أن الشركات التي تقودها نساء تحقق أداءً ماليًا أفضل بنسبة 20-30% مقارنةً بالشركات التي يهيمن عليها الذكور.


انعكاسات التمييز على أهداف التنمية المستدامة


من جانب آخر، يُمثّل ضعف مشاركة المرأة في صنع القرار تحديًا كبيرًا أمام تحقيق  أهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف الخامس المتعلق بالمساواة بين الجنسين، فغياب النساء عن مواقع القيادة يؤدي إلى سياسات غير شاملة تفتقر إلى التنوع، مما ينعكس سلبًا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتشير تقارير الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لسنة 2023  إلى أن الدول التي تتبنى سياسات داعمة لتمكين المرأة في القيادة تحقق معدلات نمو اقتصادي أعلى بنسبة 25% مقارنة بالدول التي تعاني من فجوة كبيرة بين الجنسين في المناصب العليا.

يتعارض التمييز بين الجنسين أيضا مع الهدف الثامن المتعلق بالعمل اللائق والنمو الاقتصادي. وتشير دراسة  للبنك الدولي إلى أن الاقتصادات التي تدمج النساء في المناصب الإدارية تحقق نموًا أسرع وتخلق فرص عمل أكثر استدامة. ومع ذلك، يسجل العراق معدلات مشاركة منخفضة للنساء في سوق العمل، حيث لا تتجاوز نسبتهن 19% مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 47%. كما أن الفجوة الجندرية تؤثر بشكل مباشر على الجهود الرامية إلى القضاء على الفقر، وهو ما أكده تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي 2023، حيث أشار إلى أن التمييز ضد النساء في مواقع صنع القرار يكلف الاقتصاد العالمي 7 تريليون دولار سنويًا، نتيجة للسياسات الاقتصادية غير المتوازنة التي تهمش دور المرأة في النمو الاقتصادي.

ينعكس إقصاء المرأة من المناصب القيادية كذلك على جودة القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم، مما يؤثر على تحقيق الهدفين الثالث والرابع المتعلقين بالصحة والتعليم الجيدين.


وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن الدول التي تعزز مشاركة المرأة في القيادة الصحية والتعليمية تحقق معدلات تحسن أسرع بنسبة 30% في تقديم الخدمات في هذين المجالين مقارنة بالدول التي يغيب فيها تمثيل النساء في مراكز اتخاذ القرار.

من ناحية أخرى، فإن تعزيز وجود النساء في المناصب القيادية يسهم بشكل كبير في تحقيق الهدف السادس عشر المتعلق بالسلام والعدل وبناء مؤسسات قوية، حيث أظهرت دراسة لمعهد السلام الدولي أن الدول التي تدمج النساء في المفاوضات السياسية ومباحثات السلام تقل فيها احتمالات نشوب الصراعات بنسبة 24%، مما يعزز الاستقرار السياسي والاجتماعي.


في الختام، إن تعزيز مشاركة المرأة العراقية في القيادة يساهم في بناء مجتمع مستدام ومتوازن، فالمرأة تمتلك القدرة على إحداث تغيير إيجابي في مجالات الاقتصاد، والتعليم، والصحة، والبيئة، وغيرها من المجالات التي تؤثر في حياة المواطن العراقي. لذلك، لابد من مواصلة العمل من أجل ضمان تمثيل النساء في جميع مجالات الحياة، وإشراكهن في صياغة السياسات واتخاذ القرارات، مما يساهم في بناء عراق قوي ومزدهر يستطيع مواجهة تحديات المستقبل.


لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

コメント


Follow Us !

Thanks for submitting!

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter

Thanks for submitting!

فتيات ضحايا لهيمنة العادات بمستقبل مجهول.png
bottom of page