top of page
صورة الكاتبنغم مكي

العنف في صالات الولادة في مستشفيات البصرة: اعتداء على حرمة الحوامل وسط لامبالاة الدولة


"لم تكترث الممرضة لصرخات وجعي من آلام الطلق، واكتفت بابتسامة استخفاف معتبرة إياها "دلع زائد" ثم أدخلتني غرفة الولادة المكتظة بالنساء لا تفصل بينهن أي ستارة أو حاجز. نظرت فلم أجد سريرا لألد عليه، سألت الممرضة وأنا أتلوى من الوجع: أين سألد؟ أشارت بأصبعها اتجاه الأرض "هنا"!، تقول جنان محمد (25)عاما وهي تستذكر معاناتها أثناء الولادة في أحد مستشفيات البصرة.

وتتابع: "لشدة ألمي، توسدت أرضية الغرفة الباردة التي تنبعث منها رائحة كريهة، ثم أحسست بجنيني يخرج مني. وبسبب ولادتي بهذه الطريقة، أصبت بالتهاب بطانة الرحم نتيجة عدوى جرثومية انتقلت إلي أثناء الولادة"، مضيفة "ما زلت إلى اليوم أُراجع العيادات للشفاء من تلك العدوى".

ما حصل لجنان ليس حالة فردية وإنما تتكرر حوادث العنف والإهمال الذي تتعرض له النساء الحوامل في صالات الولادة في مستشفيات البصرة من قبل الممرضات والطبيبات، أمام لا مبالاة إدارة المستشفيات ووزارة الصحة.


عنف لفظي ومعنوي وغياب المحاسبة


تعاني النساء الحوامل عند ولادتهن في المستشفيات الحكومية في البصرة من حوادث متكررة للعنف الجسدي واللفظي إضافة إلى الإهمال وعدم تلقي الخدمات الطبية اللازمة عند الولادة.

تتذكر نور جاسم (31)عاما ما حصل لها أثناء ولادتها طفلها الأول وكيف وجدت نفسها ضحية اهمال الإطار الطبي حتى كادت تفقد جنينها. تقول: " دخلت قاعة الإنتظار في المستشفى وأنا أمسك بيدي والدتي. نظرت إلي الممرضة وسألتني عن طبيبتي الخاصة التي لم تكن من ضمن الطبيبات المناوبات في المستشفى ثم كتبت اسمي وأدخلتني لغرفة الفحص حيث لم تعرني الطبيبة اهتماما بل اكتفت بالقول أن موعد ولادتي لم يحن بعد". استغربت نور كلامها لأنها كانت تشعر أن ما يحمله بطنها كان على وشك الخروج. "بعدها بقليل أحسست أن الألم زادت حدته وبماء الولادة الدافئ ينزلق مني في غرفة الانتظار. أسرعت الطبيبة بادخالي لصالة الولادة وسط نظرات الاشمئزاز من قبل الممرضة وتذمرها من توسيخ الردهة. لم تسمح بدخول والدتي معي لغرفة الولادة وبعد أن قطعت الحبل السري وقامت بتنظيف الرضيع، عادت بعد ذلك إلى أمي وهمست في اذنها: "اكراميتي حجية". تلعثمت والدتي وأعطتها مبلغا بسيطا. بعدها أكملنا إجراءات الخروج".


تقضي الكثير من النساء الحوامل ما يقارب 3 أو 4 ساعات داخل صالة الانتظار، كما لا يُسمح لمرافقة المريضة بالدخول معها. وكثيرا ما تلد النساء الحوامل في صالة الانتظار بسبب اللامبالاة بحالتهن من قبل الطبيبات والممرضات.

تقول سحر حميد (20)عاما كنت أعاني آلالام الطلق بعد أن تقرر أنني سأنجب بواسطة عملية قيصرية. في الأثناء، جاءت ممرضة تفحصني فصدمت لكلامها البذيء وأسلوبها الحاد. قالت لي "افتحي ساقيك جيدا" واتهمتني بالمبالغة بشعوري بالألم قائلة "عند زواجك تحملت الألم والآن تفتعلين الوجع" استفزني كلامها، فسحبت أنبوب المحلول المغذي الوريدي واشتكيت عليها لتتم إحالتها للتحقيق".

فتح تحقيق ضد الممرضات أو الكادر الطبي بسبب سوء معاملة المريضات لا يعني بالضرورة معاقبتهن، لأن التدخلات الشخصية والعشائرية تؤثر في عديد الأحيان على سير التحقيق و يتم في الأخير غلق الملف.


يوضح (ع ج) وهو موظف خدمة الطوارئ في احدى المستشفيات الحكومية بالبصرة أنه عند تقديم شكوى من قبل الطرف المتضرر في صالة الولادة، تتم الإجراءات في قسم المتابعة ثم تُرسل الشكوى إلى قسم القانونية، حيث يتم تبليغ الممرضة أو الطبيبة المشتكى عليها وتتم مواجهتها بالمريضة ليبدأ التحقيق، فإذا تأكد الضرر، تُحاسب المشتكى عليها وتكون العقوبة إما بقطع الراتب حسب الدعوى أو بتوجيه إنذار تأخير الترقية لأشهر أو بتوجيه لفت نظر بتأخير العلاوة وزيادة الراتب. لكن المشكلة الحقيقة تكمن، حسب موظف خدمة الطوارئ، في أنه "في حالة ثبوت الاعتداء والضرر، يتم الإتفاق سرا بين المشتكى عليها وأحد موظفي شعبة القانونية أو المتابعة من أجل إتلاف الشكوى وعدم المحاسبة. وفي بعض الأحيان، يتم التراضي بين الطرفين (المشتكية والمُشتكى عليها) عشائريا.



التأثيرات السلبية للعنف على الحوامل


تعتبر زهراء علي محمد، الباحثة الإجتماعية في جمعية السرور للمرأة والطفل في البصرة أن للعنف في صالات الولادة تأثير سلبي على المرأة الحامل، حيث تعيش هذه الأخيرة حالة نفسية صعبة وتُحسّ بالخوف والإرتباك مما يؤدي إلى تعسر الولادة وقد يتأذى الجنين أيضا.

"المريضة تأتي إلى المستشفى وهي تُعاني أساسا من آلام الولادة، لينضاف إلى ذلك سوء معاملة الممرضة التي تقوم بضربها أو شتمها، خاصة اذا كانت لوحدها بدون مرافق أو قابلة خاصة بها. وفوق كل ذلك تطلب الممرضة اكرامية!"، تستغرب م. الهاجري الطبيبة النسائية. وتضيف "كل ذلك يجعل المريضة تستبعد فكرة الولادة مرة أخرى أو الولادة بالمستشفى وتفضّل الولادة عند قابلة خاصة، بما أن الكثير من القابلات في الوقت الحالي أصبح لديهن غرف مجهزة ويقمن بالتوليد على مسؤوليتهن. لكن ذلك قد يُشكّل خطورة على النساء الحوامل، خاصة إذا كانت ولادة لأول مرة ومن الممكن أن تحدث خلالها مضاعفات ربما تؤدي للنزيف أو إلى الوفاة ولا تستطيع القابلة الإسراع بأخذ المريضة إلى المستشفى". كذلك فإن قلق المرأة الحامل أو الكآبة قبل أو أثناء الولادة تنعكس بالضرورة على الطفل، حيث تقول الهاجري "لو كانت المرأة مثلا في حالة الطلق ورأس الطفل بدأ بالخروج، وتعرضت في نفس الوقت إلى الصفع من قبل الممرضة، فسوف يحدث تعسُّر ثم ضغط على رأس الطفل وربما يختنق أو يموت!"

في هذا الصدد، تروي زينب جعفر(23)عاما عن تفاصيل ولادتها لطفلتها في أحد مراكز الصحة الحكومية في البصرة في قضاء الدير:"بسبب بعد المسافة بين منزلي وبين المستشفيات المخصصة للولادة، اضطررت للذهاب إلى هذا المركز حيث لم تستقبلني الممرضة، إلا بعد أن أكرمها زوجي بمبلغ قدره 150 ألف دينار عراقي (100 دولار تقريبا) لتولدني. تعسرت ولادتي وولدت طفلتي ميتة نتيجة الاختناق وانقطاع الاوكسجين بسبب سوء التوليد".


الفئات الفقيرة وصغيرات السن الأكثر تضررا


تُؤكد زهراء علي محمد، الباحثة الإجتماعية أن أكثر فئة معرضة للعنف هن النساء الحوامل من الطبقة الفقيرة بسبب ضعف إمكانياتهن المادية التي لا تسمح لهن بالذهاب إلى المستشفيات الخاصة وتقديم الرشوة للممرضات حتى تُعاملهن بشكل أفضل. ويتراوح مبلغ الرشوة بين 5000 الى 10000 دينار.

هناك أيضا، حسب زهراء، فئة الفتيات القاصرات اللواتي يلدن بعمر صغير وهن أكثر عرضة للعنف في صالة الولادة بسبب عدم قدرتهن على الدفاع عن أنفسهن، مما ينعكس سلبيا على حالتهن النفسية ويتسبب في تعسر الولادة والخوف من تكرار تجربة الإنجاب مرة أخرى. في هذا الصدد، تتذكر الباحثة الإجتماعية قصة إحدى القاصرات الحوامل والتي لم يتجاوز عمرها (18) عاما، حيث نقلت للمستشفى في الساعة 11 ليلا وبقيت ليومين هناك وعندما جاءتها آلام الطلق، ضربتها الممرضة على ساقيها تاركة بقعا زرقاء على فخذيها، بالإضافة إلى صفعها على وجهها وتوجيه كلام بذيء لها. ورغم ذلك لم تقدم شكوى ضدها. ويساهم السكوت عن العنف في تفشيه حيث تخاف المريضات من ردة فعل الزوج أو الفضيحة.

من جانبها، تقول الناشطة الحقوقية والنسوية أمل كباشي "وردتنا معلومات قليلة جدا حول بعض الممارسات من قبل مسؤولات صالة الولادة أو بعض الطبيبات تجاه النساء الحوامل، لكننا كناشطات ومنظمات تُعنى بحقوق المرأة لم نتأكد منها بعد، خاصة أمام تكتم وزارة الصحة وعدم نشر معطيات عنها".


البنية التحتية الصحية المهترئة واكتظاظ المستشفيات وراء سوء الخدمات الصحية


حسب وزارة التخطيط، سجل العراق مليونا و(258)الفا و(28)ولادة حية خلال العام الماضي 2020 وقدّرت أحدث احصائية للجهاز المركزي للإحصاء التابع لهيئة التخطيط العراقي، أن معدل الولادات لكل امرأة سنة 2021، هو 3.7 مولود لكل امرأة، في حين قُدّر معدل الوفيات الرضع بنحو 21.1 حالة وفاة لكل 1000 مولود جديد. ويبلغ إجمالي عدد سكان العراق حوالي 41 مليون نسمة.

لا يتوافق هذا الضغط السكاني مع البنية التحتية الصحية المهترئة، حيث تُعاني مستشفيات العراق من نقص حاد في الكادر الطبي، إلى جانب نقص الموارد التي تخصصها الدولة بشكل عام للقطاع الصحي، والتي لم تتجاوز 8 تريليونات دينار (أي ما يعادل 5.4 مليار دولار) سنة 2021، مما يُمثّل 5% من ميزانية الدولة، حسب فالح الزيادي، عضو لجنة الصحة والبيئة في البرلمان العراقي السابق، كما يؤكد أن معدل الإنفاق الصحي على المواطن في العراق لا يتجاوز 150 إلى 200 دولارا سنويا. من جهة أخرى فإن نسبة الأطباء تمثل 1.7 بالألف بالنسبة لعدد السكان. وهو معدل يُعتبر خارج المواصفات العالمية.

هذا الوضع السيء ينعكس بالضرورة على طبيعة الخدمات الصحية المقدمة في المستشفيات، خاصة وأنها تشكو من الإكتظاظ المتواصل. ففي البصرة مثلا وهي العاصمة الإقتصادية للعراق وثالث أكبر مدينة فيها، يوجد 14 مستشفى حكوميا تبلغ سعتها السريرية 2348 سريرا لعدد سكان يبلغ 2.9 مليون نسمة (حسب آخر احصائية ل 2018).


تُرجع الطبيبة النسائية م .الهاجري أسباب حدوث العنف في صالات الولادة إلى الضغط الذي تعمل فيه القابلة أو الممرضة وحالات الولادة الكثيرة التي تصل للمستشفيات مقابل عدد قليل من الكادر الصحي. "في العديد من الأحيان، تجد الممرضة أو القابلة نفسها وحدها لتوليد عدد كبير من الحوامل. بالتالي لابد من تنظيم عملهن وتحديد عدد الحالات لكل ممرضة".

وتشير الهاجري أيضا إلى مسألة قلة تأطير الكوادر الطبية والإحاطة بهم، لذلك تنصح إدارات المستشفيات بتنظيم دورات تدريبية لهم وجلسات لسماع مشاكلهم خاصة أمام مواجهتهم لضغوطات كبيرة في العمل.

ينضاف إلى ذلك ضعف رواتب الممرضات، حيث يصل معدل راتب الممرض في العراق إلى 1980 ألف دينار (أي ما يعادل 1350 دولارا) في حين أن الحد الأدنى هو 1270 ألف دينار (حوالي 870 دولارا) .


وللحد من حالات العنف في صالات الولادة ضد الحوامل، تنصح زهراء علي محمد، الأخصائية الإجتماعية بتشديد المراقبة بالمستشفيات الحكومية على أداء الكادر الطبي، حيث يتوجب على مدير المستشفى متابعة ما يحصل من تجاوزات ومحاسبة المخالفات للقانون وتطبيق العقوبات عليهن بصرامة.


حاولنا الإتصال عديد المرات بوزارة الصحة لأخذ رأيها في موضوع العنف في صالات الولادة والحصول على إحصائيات حول عدد المعنفات من خلال الشكاوى التي تصل إليها من مختلف المستشفيات ولكن لم تكن هناك استجابة من قبلها للرد على تساؤلاتنا.

في الأثناء تتواصل الإعتداءات على النساء الحوامل في صالات الولادة بدون أية محاسبة.


٢٠٢ مشاهدة٠ تعليق

Comments


bottom of page