top of page

حرق النفايات في مكبات النجف: كارثة بيئية تهدد الصحة العامة

تاريخ التحديث: 26 مايو


تحقيق رشا الجنابي وسارة أحمد هاشم


في ظل تزايد مشاكل البيئة في العراق أصبحت ظاهرة حرق النفايات في النجف التي يقوم بها النباشون قضية تؤرق حياة المواطنين، حيث يعاني سكان المناطق القريبة من مكبات النفايات من تأثيرات سلبية جسيمة على صحتهم وحياتهم اليومية.


دخان الموت المتصاعد بعد حرق النفايات بالطمر الصحي في النجف
دخان الموت المتصاعد بعد حرق النفايات بالطمر الصحي في النجف

وسن عزيز، 42 عاماً،  من سكان مجمع قمبر الواقع في شمالي مدينة النجف تعاني من آثار حرق النفايات في مكب النفايات القريب من مسكنها، على بعد  عشرة أمتار فقط. تقول:


" لم نستطع قضاء الوقت في الخارج، فالدخان يملأ الأجواء ويجعلنا نشعر بالاختناق". 


وتعبر عن قلقها الدائم على أطفالها الثلاثة، حين تبدأ سحب الدخان الأبيض بالتصاعد لتلتف حول البناية التي تعيش فيها، مما يدفعها إلى إغلاق جميع النوافذ والأبواب.

تؤكد وسن أن الحرق يحدث عادة في الليل ويستمر حتى الفجر من قبل ما يسمى النباشة الذين يحرقون النفايات المختلفة، مما يسبب لعائلتها صعوبة في النوم بسبب الروائح الكريهة والدخان المتصاعد.وتستذكر كيف كانت تسمع أصوات انفجارات مخيفة أثناء حرق النفايات بسبب حرق القناني البلاستيكية وبقايا الحيوانات والأكياس المعدنية والقناني الغازية أو المضغوطة الفارغة والمخلفات الطبية، مما جعلها تحسّ وكأن الضباب يغطي الأحياء القريبة بأكملها. وتضيف:

" عندما كنت حاملاً، كنت أغطي فمي بقطعة قماش لتجنب تنفس الرائحة"


واليوم يجد أطفالها صعوبة في التنفس. لذلك، فهي تشدد على ضرورة التحرك لوضع حد للمشكل، حيث تقول "خرجنا بوقفة احتجاجية بسبب مكب النفايات ومحرقة النفايات وطالبنا أثنائها، رئيس الوزراء العراقي بالتدخل السريع كون لا أحد يستجيب لنا من السلطات المحلية". وتُطالب إزالة مكبات النفايات بشكل نهائي "حتى نتمكن من البقاء في بيوتنا". تعكس كلماتها ألمًا عميقًا، حيث يشعر سكان هذه الأحياء بأن الدخان يظل عالقًا في أجسادهم حتى عند مغادرتهم المنطقة.


واقع النباشين في النجف: حياة بين النفايات


على بُعد حوالي  عشر أمتار من المجمعات السكنية شمالي  مدينة النجف، يقع موقع مكب النفايات الذي أصبح مكانا لكسب لقمة العيش لمن يُعرفون بالنباشين، رغم المخاطر الصحية التي تواجههم، حيث يعتمدون على ما تجود به لتأمين قوت يومهم.

تتراكم تلال النفايات في موقع الطمر ويتسابق النبّاشة يومياً على جمع قطع الحديد الثقيلة والبلاستيك والألمنيوم بحثاً عن أي شيء يمكن أن يحقق لهم دخلاً بسيطاً. لكن هذه الممارسات لا تأتي دون ثمن، فالتعرض المستمر للمواد السامة والجراثيم يجعلهم عرضة للأمراض التنفسية والسرطانية الخطرة.

كرار كاطع،(40)عامًا، هو أحدهم، وهو يعيش في منطقة عشوائية ويعمل مع عائلته في نبش أكوام النفايات منذ أربع سنوات. يبدأ هو وأولاده  الأربعة،  البالغة أعمارهم 11و14و16 سنة، يومهم منذ الصباح الباكر بالخروج من المنزل بملابس رثّة وقطع قماش على الرأس لتحميهم من حرارة وبرودة الجو مع أكياس فارغة يحملونها ويبحثون في الشوارع العامة والمكبات العشوائية عن أي شيء يمكنهم بيعه. 

يقول كرار: "نجمع يوميًا حوالي ثلاث أكياس كبيرة من النفايات ونبيعها بمبلغ يتراوح بين 4 إلى 5 آلاف دينار عراقي  لتأمين إيجار بيتنا الذي يبلغ 150 ألف دينار، بالإضافة إلى شراء مستلزمات الطعام والدواء لأطفالي الذين يعانون من أمراض جلدية ومشاكل في التنفس". ويؤكد أن العمل في الطمر الصحي ليس سهلاً، حيث يتطلب البحث عن مواد قابلة لإعادة التدوير بين النفايات ويلجأ للحرق، على غرار بقية النباشين، للوصول بسهولة إلى المواد المطلوبة. 

يدرك كرار أن عمله يُشكّل خطرا على صحته وصحة أولاده، فابنه الأكبر البالغ من العمر 16 عاما مصاب بمرض الاكزيما أما الآخر، ذو 11 عاما، فهو مصاب بالربو. "ولكننا مضطرون لمواصلة العمل، بما أننا لم نجد شغلا آخر في المدينة ونحن بحاجة إلى المال من أجل لقمة العيش".

عائلة كرار  ليست العائلة الوحيدة التي تعمل في مجال البحث عن النفايات في المكبات. هناك العشرات ممن قادتهم ظروف الحياة القاسية للعمل في نبش القمامة وبين أكوامها.

تزداد صعوبة عمل النباشين بسبب تهميشهم وغياب النقابات أو الاتحادات التي تمثلهم. وهذا يعيق قدرتهم على المطالبة بحقوقهم وحمايتهم قانونياً، مما يزيد من تعرضهم للمخاطر الصحية.

عانت مدينة النجف لفترة من أكوام النفايات وحرقها، مما أدى إلى انتشار الدخان والروائح الكريهة التي كانت تغطي سماء شمالي  المدينة ومعظم اقضيتها ونواحيها. ومع تنظيم عمل النبّاشة، وتسييج الموقع والإغلاق المؤقت للمكبات غير رسمية، تحسنت الأوضاع قليلاً. ولكن الخطر الصحي لا يزال قائما، حيث يظل هؤلاء النباشة مصدراً محتملاً لنقل الأمراض عبر تواصلهم مع القمامة.


ظاهرة حرق النفايات 


تعد ظاهرة حرق النفايات من الظواهر البيئية الخطيرة التي تتفاقم في مدينة النجف والمدن الأخرى حيث تسبب ارتفاعات متكررة من الدخان الأسود الذي يغطي سماء المنطقة. هذه الظاهرة لا تؤدي فقط إلى تلوث الهواء بل تحمل معها روائح كريهة تبقى عالقة في الأجواء لساعات طويلة مما يؤثر سلبًا على جودة الحياة وصحة السكان. وقد طالب الأهالي بنقل موقع الطمر إلى صحراء النجف بعيدا عن منازلهم، ففي سبتمبر العام الماضي،  تجمع  المئات من سكان المجمعات السكنية في "الأميرات السلطانة، أبو تراب، الكرار، قمبر، النخيل، ولؤلؤة" وباقي الأحياء السكنية القريبة من الطمر الصحي الواقع شمالي مدينة النجف وقضاء الكوفة والمناذرة وعددا من النواحي احتجاجاً على الأضرار البيئية والصحية الناتجة عن حرق الطمر الصحي بالقرب من مناطقهم. ولا يزالون ينتظرون تحرك السلطات المعنية.

يقول الدكتور فائز عبد الشهيد كاظم، أن حرق النفايات يتسبب في انبعاثات غازات سامة مثل أول أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت بالإضافة إلى جزيئات دقيقة يمكن أن تساهم في تلوث الهواء ولها آثار صحية، حيث أن التعرض للدخان الناتج عن حرق النفايات يمكن أن يؤدي إلى مشاكل صحية مثل التعرض للجزيئات الدقيقة الديوكسينات والمركبات العضوية المتطايرة ومركبات الهيدروكربون العطري متعدد الحلقات ومركبات ثنائي الفينيل متعدد الكلور التي ترتبط بأمراض السرطان والأمراض الجلدية والربو وأمراض الجهاز التنفسي بالإضافة إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب".

ويشير إلى أن حرق النفايات يطلق الملوثات على مستوى سطح الأرض حيث يتم استنشاقها بسهولة أو دمجها في السلسلة الغذائية مما "يثير القلق بشكل خاص نظرا لخلط النفايات الخطيرة والنفايات الطبية مع النفايات المنزلية الصلبة".



صورة  لشوارع النجف ليلًا بسبب حرق النفايات
صورة  لشوارع النجف ليلًا بسبب حرق النفايات

المستشفى الوطني للاورام السرطانية في النجف يسجل 2312 حالة جديدة


تشهد مدينة النجف ارتفاعاً مقلقاً في نسب الإصابة بمرض السرطان والتنفسية، حيث تُسجل المستشفيات يومياً أعداداً متزايدة من المرضى، ما يثير قلقاً عميقاً لدى الأهالي والمختصين في القطاع الصحي. في هذا الصدد، يقول مدير إعلام صحة النجف، ماهر العبودي، وفقاً للإحصائيات الصحية لعام 2023، " نسجل نحو 10 حالات مشخصة يومياً و200 إلى 250 إصابة شهرياً أي ما يعادل 2000 إلى 2200 خلال عام 2023، مما يستدعي تحركاً عاجلاً لتعزيز إمكانيات المستشفيات وتوفير العلاجات اللازمة".

في أروقة المستشفيات يتزايد عدد المصابين بمرض السرطان بشكل يومي ويظهر ذلك بوضوح في الأرقام التي قدمها مدير المركز الوطني للأورام، الدكتور حيدر الشبلي الذي أعلن عن تسجيل 2312 حالة جديدة في عام 2024. وأوضح أن 52% من هذه الحالات تعود لسكان النجف بينما تأتي 50% من خارج المحافظة.

تعود أسباب زيادة نسب الإصابة إلى عدة عوامل منها الكثافة السكانية المتزايدة  وارتفاع عدد المراجعين. كما تم تسجيل 46,500 جرعة كيمياوية و17,000 جلسة إشعاعية خلال العام، مما يدل على حجم التحدي الذي يواجهه القطاع الصحي.

أفادت مديرة شعبة السيطرة على السرطان في صحة النجف، الصيدلانية سندس عبد العادل موسى الحمداني عن تسجيل زيادة ملحوظة في الإحصائيات السرطانية في مدينة النجف فقط لعام 2024، حيث بلغت حالات السرطان حوالي 1872 حالة في حين وصل عدد الوفيات إلى 639 حالة.

وأوضحت الحمداني أن هذه الأرقام تستدعي اتخاذ خطوات جدية لمواجهة هذا التحدي الصحي. وأكدت أن صحة النجف قد نظمت اجتماعًا دوريًا لمناقشة الأسباب المحتملة وراء هذه الزيادة، حيث تم وضع توصيات تهدف إلى تحسين طرق الوقاية والتشخيص والعلاج. 

وترى الصيدلانية أن أسباب الإصابات السرطانية متعددة، ولكن أهمها والأكثر خطورة هو التلوث البيئي الناتج عن حرق النفايات وكذلك طمرها، مما يُساعد على انتشار الأورام، وتضيف أنه في النجف لا توجد منطقة مخصصة وآمنة للطمر الصحي، كما أن المنطقة التي يوجد عليها المكب لا تتوفر فيها الشروط المناسبة للتخلص من النفايات الصلبة ومنها أن تكون المسافة لا تقل عن 1 إلى 2 كم عن المجمعات السكنية.


الصورة لعمليات حرق عشوائية  مما يشكل خطرا على صحة الأهالي في المناطق السكنية الواقعة باتجاه الريح
الصورة لعمليات حرق عشوائية  مما يشكل خطرا على صحة الأهالي في المناطق السكنية الواقعة باتجاه الريح

أزمة إدارة النفايات في مدينة النجف 


 تواجه محافظة النجف تحديات كبيرة في إدارة النفايات، حيث تبلغ مساحة محافظة النجف (28532) كيلومتر مربع وتمثل بذلك نسبة مقدارها (6.6%) من مجموع مساحة العراق وتضم (10) وحدة إدارية ( ناحية ) تشكل (4)أقضية. وتشير تقديرات البلدية إلى أن كمية النفايات التي يتم طرحها تصل إلى حوالي 4000 متر مكعب يومياً. هذا الرقم يتطلب موارد وإمكانات تفوق ما هو متوفر حالياً خاصةً مع التوسع العمراني المستمر وظهور المجمعات السكنية الجديدة. وحسب إحصائيات عام 2018، يُقدّر عدد سكّان النجف بحوالي 1،471،592 مليون نسمة. أما المتوقع لهذا العام فهو 4 ملايين نسمة في انتظار صدور نتائج التعداد السكاني لسنة 2025.

يوضح  مدير دائرة البيئة في مدينة النجف، الاستاذ جمال عبد زيد شلاكه بأن مواقع طمر النفايات العشوائية لا تتوافق مع المواصفات البيئية اللازمة، حيث يتم حرق النفايات بشكل مباشر دون إجراء عمليات فصل لمكوناتها.

"هذا الأمر يتسبب في انبعاث غازات سامة تؤثر سلبًا على صحة المواطنين النجفيين في مركز النجف وباقي الأقضية والنواحي". 

من جانبه، يُبيّن الخبير البيئي، جاسم محمد أن أسلوب طمر النفايات الحالي يؤدي إلى تلويث مساحات شاسعة من الأراضي، فالنفايات لا تتحول لاحقًا إلى مساحات خضراء أو مشاريع ذات نفع عام بل تُترك كما هي، مما يؤدي إلى تراكم ملوثات يصعب التخلص منها مثل البلاستيك والمواد الصناعية غير القابلة للتحلل.

 أما الناشط في مجال البيئة والمناخ، عباس منعم، فيرى أن الجهات الحكومية في النجف لم تتحرك بشكل جدي بشأن ملف تدوير النفايات ومعالجتها. وقد أدى هذا الإهمال إلى انتشار الأمراض الجلدية والتنفسية خاصة بين السكان القريبين من مواقع جمع النفايات مع الحرق المتكرر لها. لذلك فهو يُحمّلها المسؤولية ويدعوها إلى التحرك العاجل لايجاد حلول، خاصة مع التوسع العمراني الذي تشهده البلاد.


شوارع  تمتلئ بالنفايات والمواشي والحيوانات السائبة
شوارع  تمتلئ بالنفايات والمواشي والحيوانات السائبة

ضعف تدوير النفايات في العراق


بصفة عامة، تفتقر مدن العراق إلى مشاريع فعالة لتدوير النفايات التي تُطمر بشكل عشوائي ودون مراعاة للمعايير الصحية والبيئية العالمية وتزداد خطورة الوضع مع عدم فصل النفايات عن بعضها وعدم معالجتها بشكل سليم مما يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة تهدد المجتمع. وتتطلب معالجة هذا المشكل، جهودًا من الحكومة لتبني استراتيجيات فعالة لإدارة النفايات تُركّز على التدوير وتخليص المدن منها، بالإضافة إلى توعية السكان بأهمية الحفاظ على البيئة.

يُعدّ الطمر من أكثر الأساليب المعتمدة في التخلص من النفايات البلدية وتشكل المواقع الحاصلة على الموافقة البيئية ما نسبته 28% من إجمالي عدد مواقع الطمر الصحي. وحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، فإن عدد مواقع الطمر الصحي في العراق بلغ 221 موقعًا، بينها 149 موقعًا فقط غير حاصل على الموافقة البيئية ومخالف للضوابط. وفي مدينة النجف، يوجد موقع واحد حاصل على موافقات البيئية ويقع خارج المدينة بمسافة تقريبا 20 الى 30 كم.

أما المحطات التحويلية فقد بلغ إجمالي عددها 87 محطة تحويلية منتشرة في جميع محافظات العراق، 14 منها فقط حاصل على موافقة بيئية. ويوجد في العراق حسب إحصاءات 2020، معملان لفرز وتدوير النفايات، حيث تشير البيانات الى تدوير 11495 طن من النفايات الاعتيادية خلال 2020، ما يشكل نسبة ضئيلة جداً عند مقارنته بما تم نقله لمواقع الطمر (19.7) مليون طن. أما معدل كمية النفايات المتولدة لكل فرد فقد بلغ ما يقرب من 1.5 كلغ في اليوم بزيادة مقدارها (25%) في عام (2020) عن سنة الأساس (2017). وتشير الإحصاءات إلى أن كمية النفايات الاعتيادية التي تم رفعها ونقلها الى مواقع الطمر الصحي كانت بحدود (20.37) و (19.7) مليون طن في السنة خلال عامي (2017) و (2020) على التوالي.

يقول مدير قسم الكيماويات وتقييم المواقع الملوثة في الوزارة، لؤي صادق المختار، أن مواقع الطمر تفتقر لمقومات الإدارة السليمة والمتكاملة للبيئة وينجم عنها الكثير من الملوثات الحادة والشديدة الناجمة عن حرقها كيفما اتفق أو بشكل غير نظامي، مما يولد انبعاث الكثير من الغازات السامة وبعضها مسرطنة في الأماكن المفتوحة، مضيفا أن إدارة النفايات من خلال جمعها بشكل سليم وآمن وفرزها وغيرها من العمليات لحين الطمر يتطلب مساحات واسعة وكلفاً مالية كبيرة. وبيّن كذلك أن استخدام النفايات في محارق نظامية يجب أن يكون بمواصفات وشروط معينة، ومن الضروري توفر محارق تصل درجة الحرارة فيها إلى ما بين 1100 و 1200 درجة، يرافقها حرق للغازات المنبعثة، فضلاً عن وحدات سيطرة على النفايات الصلبة والسائلة المتولدة منها.

وللتذكير، فقد وصل عدد مؤسسات الخدمة البلدية في العراق عام 2020 إلى (256) مؤسسة مقارنة ب2017ـ، حيث كان يبلغ عددها (251) وبذلك فقد بلغت النسبة المئوية للمخدومين بجمع النفايات البلدية (61.9%) و (64.6%) في المناطق الريفية و(87.7%) و (89.9%) في المناطق الحضرية للسنوات (2017) و (2020) على التوالي.


تدخلات الدولة لوضع حد للمخالفين

 

أمام تفاقم الوضع البيئي في النجف، اتخذت دائرة بيئة النجف إجراءات قانونية ضد الجهات الخدمية المخالفة بما في ذلك بلدية النجف والبلديات الأخرى في المحافظة وذلك من خلال إنذارات، غرامات، عمليات غلق، بالإضافة إلى إقامة دعاوى قضائية. ومن أبرز هذه الإجراءات مثلا غلق مكب نفايات عشوائي يقع نهاية شارع القوسي المقابل للمجمعات السكنية من شمالي  المدينة  بتاريخ 8-12-2022 . كذلك تم غلق مكب نفايات عشوائي خلف الحي الصناعي منطقة 17 تموز/ قرب محطة ريبال تابع إلى بلدية النجف بتاريخ 22-6-2023. كما تم أيضا فرض غرامات  على المسؤولين عن عمليات الحرق في المكبات.


وتعتبر هذه الإجراءات خطوة هامة نحو معالجة الأزمة ولكنها تحتاج إلى مزيد من الجدية والتطبيق الفعلي، فالوضع البيئي في المحافظة يتطلب إيجاد حلول مستدامة تشمل تحسين آليات إدارة النفايات وتوعية المجتمع بأهمية الفصل وإعادة التدوير.


فرصة استثمارية لم ترى النور 


فيما أقر المسؤولون في مدينة النجف أن منطقتي طمر النفايات في مدينة النجف هي مناطق طمر غير نظامية أي أنهما غير مستوفيتين للمحددات البيئية، كشفت الإدارة المحلية في محافظة النجف عام 2022 عن فرصة استثمارية لإنجاز مشروع إنشاء معمل تدوير النفايات على القطعة المرقمة (2/8) مقاطعة (24) الواقعة في عيون الشجيج والبالغ مساحتها (180 )دونم، وذلك "للإرتقاء بواقع الخدمات المقدمة للمواطنين والحفاظ على البيئة" حسب تصريح ماجد الوائلي، المحافظ السابق للنجف، في ذلك الوقت. وقد عقد هذا الأخير اجتماعا في 22 كانون الثاني 2024ـ ضّم وفد مجموعة شركات صدارة للتمثيل التجاري والخدمات وبحضور المعاون الفني للمحافظ ونائب رئيس هيئة الإستثمار ومدراء دوائر البلديات والبيئة وبلدية النجف الأشرف وبلدية المدينة القديمة، وتمت فيه مناقشة الإجراءات الضرورية بخصوص الفرصة الإستثمارية لتنفيذ معمل تدوير النفايات، إضافة إلى مناقشة مخرجات الدراسة التي تم إعدادها من قبل الشركة حول مراحل التدوير وخطوط العمل والإمكانيات المتاحة للاستفادة من مخلفات التدوير في عدة مجالات. 

 من جهته، أوضح النائب الثاني  لمحافظ النجف، الدكتور كرر محبوبة، أنه تم إعداد كل المخاطبات الرسمية مع هيئة الاستثمار لمدينة النجف من أجل عرض الفرصة الإستثمارية لتنفيذ معمل تدوير النفايات الذي سيعمل على إنتاج طاقة كهربائية، وذلك لغرض جذب المستثمرين. 


ورغم كل ذلك، لم يتقدم أي مستثمر لهذه الفرصة الاستثمارية. لذلك تكررت الدعوات لإعادة الإعلان عنها من جديد  لتتمكن الشركات من التقديم عليها. في هذا الصدد، نذكر تقدم نائب رئيس مجلس محافظة النجف، غيث رعد شبع الكلابي بطلب إلى ديوان المحافظة، بتاريخ 17-10-2024 لفتح المجال من جديد لتنفيذ مشروع تدوير النفايات.


نسخة من مراسلة نائب رئيس مجلس محافظة النجف
نسخة من مراسلة نائب رئيس مجلس محافظة النجف

إغلاق مكب النفايات هل سيحل المشكل؟


في إطار تحسين البيئة في محافظة النجف، تم عقد الجلسة الخامسة لمجلس حماية وتحسين البيئة في أواخر عام 2024 برئاسة الدكتور كرار محبوبة، نائب محافظ النجف، لمناقشة الإجراءات المتخذة من قبل دوائر البلدية في إدارة النفايات وتنفيذ المتطلبات البيئية في مواقع الطمر الصحي. في هذا الصدد، بيّن محبوبة أنه تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات الرسمية بالتعاون مع القوات الأمنية أبرزها إغلاق منطقة الطمر الصحي وتأمين بديل مناسب يقع بعيداً عن مركز المدينة في منطقة عيون الشجيج، وتحديدا في منطقة البحر، يبعد حوالي 30 كيلو عن مركز المدينة بمساحة 180 دونم وهو حاصل على الموافقات البيئية مع مراعاة المعايير البيئية.

لذلك تم تسييج الطمر الصحي الواقع في شمال المدينة  بسياج "بي آر سي" بالإضافة إلى تركيب كاميرات حرارية للمراقبة، بالإضافة إلى تواجد مستمر لدورية الشرطة لمنع رمي الفضلات. ويتم حالياً نقل النفايات من الأحياء السكنية إلى مواقع التجميع المؤقت ومن ثم تقوم الآليات الثقيلة بأخذها إلى موقع الطمر الصحي الجديد في عيون الشجيج  بعيداً عن مركز المدينة. وأكد نائب المحافظ  أنه تم اتخاذ إجراءات صارمة لمحاسبة المخالفين للتعليمات، حيث تمت ملاحقاتهم القانونية من قبل الدوائر ذات العلاقة بعد موجة الحرق المتكررة التي شهدتها المحافظة مؤخرا.

كذلك أعلنت وزارة البيئة عن توجه حكومي لتشريع قانون جديد لمعالجة المخلفات الصلبة، حيث قال مدير الدائرة الفنية في الوزارة، عيسى فياض إن "ظاهرة حرق النفايات هو موضوع غير قانوني، إذ أن أغلب مواقع الطمر الصحي غير حاصلة على الموافقة البيئية".وأضاف، "بتوجيه من رئاسة الوزراء، نعمل على تشريع قانون جديد لمعالجة المخلفات الصلبة بالتعاون مع امانة بغداد ووزارة البلديات وهيئة الاستثمار"، مبيناً أن "القانون تضمن شروطاً مبسطة للمستثمرين، لإنتاج الطاقة الكهربائية واستثمار غاز الميثان".

ولكن في الأثناء، لم يرى القانون الجديد النور بعد.


إطار قانوني لحماية البيئة لا يُطبّق بشكل فعّال


يتضمن النظام القانوني العراقي عدة قوانين ولوائح تهدف إلى حماية البيئة من التلوث، وضمان حق المواطنين في العيش في بيئة نظيفة. من أبرز هذه القوانين، قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009 ويتضمن عدة بنود تنظم حماية الهواء، الماء، والتربة من التلوث، ويضع قواعد صارمة لمراقبة الانبعاثات الصناعية والتصرف بالنفايات. وقد جاء في المادة 2 منه، ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لمنع التلوث، بما في ذلك التلوث الجوي الناتج عن الانبعاثات الصناعية وحرق النفايات. كما جاء في المادة 16، أنه تُفرض غرامات وعقوبات على المخالفين الذين يتجاوزون الحدود المسموح بها الانبعاثات الملوثات، بما في ذلك ثاني أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين.

وأعطى القانون للوزير أو من يخوله توجيه إنذار إلى أية منشأة أو معمل أو أي جهة أو مصدر ملوث للبيئة لإزالة العامل المؤثر وخلال (10) عشرة أيام من تاريخ التبليغ بالإنذار. وفي حالة عدم امتثاله، فللوزير صلاحية إصدار أمر بإيقاف العمل أو الغلق المؤقت مدة لا تزيد على (30) ثلاثين يوما قابلة للتمديد حتى إزالة المخالفة. كما يمكنه أيضا فرض غرامة لا تقل عن مليون دينار ولا تزيد على عشرة مليون دينار شهرياً، قابلة للتكرار حتى إزالة المخالفة على كل من خالف أحكام هذا القانون والأنظمة والتعليمات والبيانات الصادرة بموجبه.

ولكن للأسف لا تطبق هذه النصوص القانونية دائما.

وللتذكير، فإن العراق بحكم توقيعه على إتفاقية باريس للمناخ، فهم ملزم بالتخفيف من الغازات الدفيئة والإنبعاثات التي تُفاقم التغيرات المناخية. وقد أكد ذلك من خلال وثيقة مساهماته الوطنية التي أعدها في 2021 لتشمل الفترة إلى 2030. وقد التزم بالتخفيف من الانبعاثات بنسبة 1-2٪.

ولكن الواقع مغاير لهذه الإلتزامات، حيث يتضح أن حرق وتكدس  النفايات في وسط العراق ومنها مكبات النجف يُشكل أزمة بيئية وصحية خطيرة. ولا تزال النفايات مكدسة إلى حد اليوم في المكب، وتستمر معها معاناة المواطنين في المجمعات السكنية والأحياء القريبة في ظل غياب استجابة فعالة من الحكومات.


تم انتاج هذا المقال ضمن مشروع أصوات نساء بلا حدود العراق، مبادرة من منظمة المساعدات الإنسانية والصحافة (AHJ)وبدعم من وزارة اوروبا والشؤون الخارجية.جميع حقوق النشر محفوظة لمنظمة AHJ لا يجوز استخدام هذا المحتوى أو إعادة نشره دون إذن خطي مسبق من المنظمة.

Comentários


Follow Us !

Thanks for submitting!

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter

Thanks for submitting!

فتيات ضحايا لهيمنة العادات بمستقبل مجهول.png
bottom of page