top of page

هل تكفي الشهادة العلمية لتقييم كفاءة المبرمجين العراقيين؟

ree

شهد العراق في السنوات الأخيرة، بروزًا لافتًا للشركات التكنولوجية الناشئة وتوسعًا في القطاع الخاص، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا وتطوير البرمجيات. هذه الطفرة لم تأتِ من الجامعات وحدها، بل كانت ثمرة جهود مبرمجين شباب تعلموا ذاتيًا وطوّروا مهاراتهم عبر التجربة والممارسة العملية، خاصة خلال فترة انتشار كوفيد 19. 

شركات ناشئة في بغداد وأربيل والبصرة باتت تعتمد بشكل أساسي على هذه الطاقات غير الأكاديمية، التي أثبتت قدرتها على المنافسة إقليميًا، بل وحتى عالميًا، في مجالات مثل التطبيقات، التجارة الإلكترونية، والخدمات الرقمية.

لكن في مقابل هذا الإزدهار ، يثير مشروع قانون نقابة المبرمجين جدلًا واسعًا بسبب اشتراطه الشهادة الجامعية كمدخل أساسي للانضمام لهذا المجال، وهو ما يهدد بإقصاء شريحة واسعة من المبرمجين الذين يشكلون اليوم العمود الفقري لهذا القطاع.

واقع البرمجة في العراق

البرمجة في العراق لم تعد حكرًا على أصحاب الشهادات الجامعية. العشرات من قصص النجاح تثبت أن كثيرًا من المبرمجين الأكثر تأثيرًا في السوق المحلي هم عصاميون لم يدخلوا قاعات الجامعة قط، لكنهم يمتلكون خبرة ومهارة جعلتهم في طليعة المجال.

شركات مثل كومبيوتك، ميسواگ، وBaly.iq تعتمد اليوم على مطورين شباب تعلّموا عبر الإنترنت أو من خلال مشاريع عملية، ليصبحوا عناصر أساسية في نجاح هذه الشركات. وفي أربيل، برزت شركة Lezzoo كواحدة من أبرز المنصات التقنية، يقف خلفها فريق يضم مبرمجين بدأوا مسيرتهم بعيدًا عن التعليم الأكاديمي التقليدي.

في هذا الصدد، يوضح المختص في تكنولوجيا المعلومات، محمد العاني: "النظام التعليمي في العراق ما يزال بعيدًا عن متطلبات السوق، لذلك نرى أن الكفاءات الحقيقية غالبًا ما تأتي من خارج القاعات الدراسية، لأن ما يهم هو القدرة على كتابة "كود" فعّال وحل المشكلات، وليس الشهادة الجامعية فقط."

أما المبرمج المستقل علي حمزة الذي يعمل مع شركات في الخليج وأوروبا عبر منصات العمل الحر فيقول: "لم أكمل دراستي الجامعية، لكنني استثمرت وقتي في التعلّم الذاتي والعمل على مشاريع حقيقية. اليوم أستطيع أن أثبت مهاراتي أمام أي شركة، وهذا أهم من أي لقب أكاديمي."

من جانب آخر، يؤكد يادكار مراني، مؤسس شركة Lezzoo : "ما نبحث عنه في فريقنا هو القدرة على الابتكار وحل المشكلات، وليس مجرد شهادات علمية. الشهادة قد تفتح بابًا، لكن المهارة والابتكار هما ما يبقيانك في السوق."

هذا الواقع يعكس حقيقة أساسية وهي أن الخبرة العملية والمهارة التقنية أصبحتا رأس المال الحقيقي للمبرمج العراقي، أكثر من أي وثيقة رسمية.


بين القانون والواقع


يثير مشروع قانون نقابة المبرمجين العراقيين جدلًا واسعًا بسبب اشتراطه امتلاك شهادة جامعية للانضمام إلى المجال. نظريا، يبدو هذا الشرط ضمانًا للجودة، لكن الواقع العملي في السوق العراقي يثبت أن العديد من المبرمجين الجيدين لا يحملون شهادات جامعية، ومع ذلك يساهمون بشكل فعّال في تطوير التطبيقات والخدمات الرقمية.

تُبيّن رنا عبد الله، مديرة قسم التكنولوجيا في شركة ناشئة ببغداد، أنه:

"إذا تم تطبيق هذا الشرط كما هو، فستمّ إقصاء عدد كبير من المبرمجين الموهوبين، وهذا يشمل أشخاصًا لديهم خبرة سنوات في مشاريع مهمة داخل العراق وخارجه."

أما المبرمج حسين كريم، الذي يعمل مع فرق تطوير تطبيقات محلية، فيوضح: "أنا لم أكمل دراستي الجامعية، لكن خبرتي العملية سمحت لي بقيادة مشاريع معقدة لشركات ناشئة. القانون بهذا الشكل يضع حاجزًا أمام الكثير من الشباب المثابرين."

من جهتها، ترى المختصة في تكنولوجيا المعلومات، نوال قاسم، أن "اعتماد شرط الشهادة فقط يعني تجاهل واقع السوق، حيث يأتي الإبداع والمهارة العملية غالبًا من أشخاص تعلموا البرمجة ذاتيًا. وبالتالي، قد يؤدي ذلك إلى فجوة بين النقابة والعاملين الفعليين في القطاع."

بينما يثير شرط الشهادة الجامعية جدلًا واسعًا، يقدم الواقع فرصًا للتفكير في آليات أكثر عدالة وشمولية لتمثيل المبرمجين في العراق، حيث أن  كثيرا من الخبراء ورواد الشركات يرون أن هناك طرقًا يمكن أن تحقق التوازن بين الجودة والمرونة، دون استبعاد الكفاءات الفعلية.

حلول بديلة لتمثيل المبرمجين

تعدّ اختبارات الكفاءة التقنية أحد أبرز البدائل المقترحة، حيث يمكن تقييم مهارات البرمجة والقدرة على حل المشكلات بشكل عملي، بدلًا من الاعتماد على الشهادات الأكاديمية فقط. هذه الاختبارات تتيح الفرصة لكل مبرمج لإثبات مهارته، سواء كان حاصلًا على شهادة أم لا.

يمكن كذلك اعتماد الخبرة العملية الموثقة كمعيار للانضمام للنقابة، فالمبرمج الذي عمل سنوات في مشاريع حقيقية، أو قاد تطوير تطبيقات مستخدمة فعليًا، يمتلك خبرة تعادل أو تتجاوز كثيرًا ما يمتلكه الحاصلون على شهادات جامعية. وبعض الشركات الناشئة مثل Lezzoo وBaly.iq توظف حاليا مبرمجين بناءً على خبرتهم وقدرتهم على الإنجاز، وليس على خلفيتهم الأكاديمية.

ترى المختصة في تكنولوجيا المعلومات نوال قاسم أنه

"يمكن للنقابة أن تعتمد نظامًا متعدد المسارات: اختبارات عملية وتقييم المشاريع السابقة، لتكون الشهادات الأكاديمية كمكمّل لهذه الشروط، وليس كشرط أساسي. هذا سيضمن شمولية تمثيلية النقابة للقطاع التكنولوجي."

هذه البدائل لا تمنح فرصة أكبر للمبرمجين فحسب، بل تعكس أيضًا واقع السوق التكنولوجي العراقي، حيث الابتكار والمهارة العملية هما المفتاحان الرئيسيان للنجاح. هكذا يمكن للنقابة أن تصبح جسراً بين الخبرات الفعلية ومتطلبات التنظيم الرسمي، بدلًا من أن تصبح عائقًا أمام الشبان الموهوبين.

السوق الرقمي العراقي اليوم مليء بالطاقات الشابة المبدعة، الكثير منها عصامي لم يحظَ بفرصة التعليم الجامعي، لكنه أثبت نفسه عبر الخبرة والمشاريع العملية. 

في النهاية، النجاح في عالم البرمجة لا يُقاس بالشهادة المعلقة على الجدار، بل بالقدرة على الابتكار وحل المشكلات وبناء مشاريع فعلية تُحدث فرقًا في السوق العراقي.



لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

 
 
 

تعليقات


Thanks for submitting!

Follow Us !

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter

Thanks for submitting!

فتيات ضحايا لهيمنة العادات بمستقبل مجهول.png
bottom of page