top of page

كيف حوّل غلاء العقارات في بغداد السكن إلى حلم مستحيل بالنسبة للشباب؟

ree

على سطح منزل عائلته في منطقة بغداد الجديدة، يفترش الشاب علي عبد الكريم (29 عامًا) أرضية غرفة صغيرة حُوِّلت إلى مسكن مؤقت بعد أن ضاقت به سبل الاستقلال بسكن خاص به. يعمل علي موظفًا في دائرة حكومية منذ ست سنوات، وراتبه لا يتجاوز المليون دينار عراقي (نحو 800 دولار)، وهو مبلغ لا يكاد يغطي حاجاته الأساسية، ناهيك عن تأمين منزل.


“كل ما أريده هو غرفة وصالة… لكن أسعار الإيجار صارت علية جدا”،


يقول مبتسمًا بمرارة.

علي ليس حالة فردية، بل هو واحد من آلاف الشباب العراقيين الذين يواجهون معضلة الغلاء المتصاعد للعقارات في العاصمة. فوفقًا لتقارير محلية، شهدت أسعار الشقق والمنازل في بغداد قفزة غير مسبوقة، إذ ارتفع سعر المتر الواحد في بعض المناطق بنسبة تجاوزت 200% خلال السنوات الخمس الماضية، ووصل سعر المتر السكني في أحياء مثل "الكرادة" و"المنصور" إلى أكثر من 4 ملايين دينارا، بينما لا يزال متوسط راتب الموظف الشاب دون المليون دينارا شهريًا.

هذا التفاوت الكبير بين الدخل وتكاليف السكن دفع بالكثير من الشباب إلى تأجيل قرارات محورية في حياتهم، كالإقدام على الزواج أو مغادرة بيت العائلة، بينما اتجه آخرون إلى حلول بديلة كالسكن التشاركي أو الانتقال إلى أطراف العاصمة بحثًا عن أسعار أقل. أما بعضهم، فاختار طريق الهجرة نهائيًا.


أسعار لا تناسب قدرات الشباب


في أسواق العقارات ببغداد، تتحدث الأرقام بصوتٍ أعلى من الأمنيات. إذ يُعرض بيت صغير في حي المنصور بمساحة لا تتجاوز 100 متر مربع بسعر يفوق 400 مليون دينارا عراقيا، في حين يُتراوح السعر في أحياء متوسطة مثل "زيونة" أو "الشعب" ما بين 150 و250 مليون دينارا  لنفس المساحة، وهذا فقط لسكن اقتصادي. 

هذا الواقع يخلق معادلة مستحيلة لشريحة واسعة من الشباب. في هذا الصدد، تقول رشا عدنان (31 عامًا)، وهي مدرسة في إحدى المدارس الابتدائية شرق بغداد “فكرت كثيرًا بشراء بيت صغير حتى لو بنظام التقسيط، لكن كلما كنت أجمع دفعة أولى، ترتفع الأسعار مجددًا.”

 رشا، مثل كثيرين من أبناء وبنات جيلها، اضطرت للبقاء في منزل العائلة رغم عملها منذ أكثر من سبع سنوات، إذ أن الخيارات المتاحة كانت إما مستحيلة ماليًا أو غير مناسبة اجتماعيًا. وتشير إلى أن “قروض الإسكان بطيئة وفيها شروط كثيرة وأرباحها عالية، كما أن المشاريع السكنية الخاصة تطلب مقدمات خيالية.”

الإيجارات أيضا في ارتفاع


لا تقتصر المعاناة على الشراء فقط، بل تمتد إلى الإيجار أيضًا، لا سيما في ظل غياب أي سياسة إسكانية حقيقية تستهدف الشباب. ارتفعت الإيجارات إلى مستويات غير مسبوقة، إذ يتراوح إيجار شقة بسيطة من غرفتين في منطقة متوسطة بين 600 إلى 900 ألف دينار شهريًا أي ما يعادل راتب موظف شاب بالكامل أو حتى أكثر. وغالبًا ما يطلب المالك دفع مبالغ مقدمة لستة أشهر أو سنة، ما يجعل الاستقلال السكني أمرًا مؤجلًا أو مستحيلًا.

ويُرجع مختصون في القطاع العقاري هذه الطفرة في الأسعار إلى عوامل عدة، منها المضاربة واحتكار الأراضي من قبل جهات نافذة، إضافة إلى ضعف المشاريع الحكومية الموجهة لذوي الدخل المحدود. في هذا الصدد، يقول فاضل مهدي، وهو صاحب مكتب عقاري في منطقة السيدية “العقار صار تجارة، وليس حاجة. الشقق تباع بالدولار للمغتربين أو للطبقات العليا، بينما الموظف البسيط لا يجد له مكانًا في هذا السوق.” 

في ظل هذا المشهد، يتحول السكن من حق أساسي إلى رفاهية يصعب الوصول إليها، لا سيما في العاصمة، حيث تنكمش الخيارات وتتمدّد الفجوة بين طموحات الشباب والواقع القاسي.


مبادرات متفرقة وغياب سياسة سكنية حقيقية


تشير تقديرات وزارة التخطيط إلى أن العراق يشهد نموًا سكانيًا يتجاوز مليون نسمة سنويًا، وأكثر من 40% من سكانه دون سن ال25. وحدها العاصمة بغداد، تستوعب قرابة 9 ملايين نسمة، ما يجعلها من أكثر المدن اكتظاظًا في الشرق الأوسط، في ظل نمو عمراني متسارع لا يقابله تخطيط إسكان منظم ولا دعم فعلي للفئات الشابة. وفي هذا السياق، حاولت الحكومات العراقية المتعاقبة معالجة الأزمة عبر عدة مبادرات، أبرزها:


  • مشروع “بسماية السكني” الذي أُطلق في عام 2013، وكان يُفترض أن يوفّر أكثر من 100 ألف وحدة سكنية بأسعار مدعومة، إلا أنه تعثر في التمويل والتنفيذ، ولم يتمكن من استيعاب سوى نسبة محدودة من الطلب المتزايد، إلى جانب بعده الجغرافي عن مركز العاصمة.

  • قروض صندوق الإسكان العراقي، والتي منحت للشباب بدون فائدة ويصل القرض الواحد إلى 75 مليون دينار، لكنها كانت مشروطة بامتلاك أرض سكنية، وهو ما لا يتوفر لغالبية الشباب.

  •  محاولات متفرقة لبناء مجمعات “سكن اقتصادي” أو توزيع أراضٍ سكنية في بعض المحافظات، لكنها غالبًا ما اتسمت بالفوضى الإدارية والفساد، وافتقرت إلى الشفافية أو العدالة في التوزيع. 


    يرى كثيرون أن هذه المبادرات لم ترتقِ إلى مستوى سياسة إسكان وطنية حقيقية. يقول المهندس الاستشاري عماد سلمان، المتخصص في التخطيط الحضري “ما لدينا ليس سياسة سكنية، بل مشاريع متفرقة يغيب عنها الربط السكاني والبعد الاجتماعي. الشباب، وهم الشريحة الأكبر، ليسوا في قلب هذه البرامج.”  ويضيف " في المقابل، نجحت دول مثل تركيا عبر مشروع “توكي”، والأردن من خلال الإسكان الميسر، وحتى مصر بمشاريع الإسكان الاجتماعي، في تصميم وحدات صغيرة وبدائل مناسبة للفئات الشابة ذات الدخل المحدود وهو ما لا يزال غائبًا كليًا عن التخطيط العمراني العراقي".

    في ظل هذا النقص الحاد في البدائل، يتحول السكن إلى رفاهية يصعب الوصول إليها. ومع ارتفاع أسعار الإيجارات والشقق، يضطر كثير من الشباب إلى تأجيل الزواج، أو النزوح إلى أطراف بغداد أو خارجها، أو ببساطة البقاء حيث هم ضيوفًا دائمين في بيت العائلة.


لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

تعليقات


Thanks for submitting!

Follow Us !

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter

Thanks for submitting!

فتيات ضحايا لهيمنة العادات بمستقبل مجهول.png
bottom of page