خريجات بدون عمل : شهادات جامعية تنتهي على الجدران
- روان سالم

- 24 أغسطس
- 4 دقيقة قراءة
تاريخ التحديث: 31 أغسطس

"لم أتخيل أن ينتهي مشوار 16 عاما من الدراسة بإطار خشبي معلق على الجدار يحيط شهادتي الجامعية . بالنسبة لي، أعتبر هذه الشهادة تذكيرا مؤلما بأن رحلتي مع التعليم انتهت بشكل مأساوي وأن سوق العمل أغلق أبوابه أمامي قبل أن ابدأ أول خطوة"، هذا ما قالته زينب، خريجة هندسة سيارات جامعة التقنية الوسطى في بابل، وهي واحدة من آلاف النساء اللواتي يحملن شهادة أكاديمية دون الحصول على مكان في سوق العمل العراقي وتتنوع أسباب ذلك بين ضغط العادات والتقاليد والنظرة الدونية للمرأة وغياب الخبرة.
تصمت زينب لبرهة قبل أن تكمل كلامها: " لم أجد أية فرصة عمل بعد تخرجي، مع العلم أنني قدمت على الكثير من طلبات العمل في شركات كبيرة وشركات محلية، إلا أن أصحابها يتصورون أن مهنة تصميم أو برمجة السيارات هي حكر على الرجال، لينتهي بي المطاف ضحية للعزلة". وتضيف " قال لي أحد المدراء (بطرانة منو يشغل بنية فيترجي) وقال مدير آخر (بابا احنه بالحلة مو بسويسرا) كإشارة إلى أن العادات والتقاليد الاجتماعية لا تسمح للبنت بأن تعمل بمثل هكذا مجال، بينما ضحك الأخير بسخرية وقال ( تجين تشتغلين بالحي الصناعي!!) ملمحاً للتحرش الذي قد تواجهه المرأة العاملة في تخصصي".
وتختتم قولها بحزن
تصورتُ أنني سأكون قصة مميزة لشابة أحبت مجالا يُعتبر غريبا على النساء للتخصص فيه. درست بجد ونجحت وأردتُ ان أوصل رسالة بأن العمل متاح وأن المجتمع متعاون وداعم، ولكنني فوجئت أخيرا بالواقع المرير.
ضعف مشاركة النساء في سوق العمل وعواقبه على الإقتصاد
في 2024، انخفضت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل بالعراق إلى 10% بعد أن كانت تُشكّل ما يقارب 14% في 2010، بينما ارتفع معدل بطالة الشابات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 إلى 24 سنة إلى 62% حسب احصائيات البنك الدولي . بالرغم من ذلك، تؤكد الجهات الحكومية من خلال مسح التشغيل والبطالة لنفس العام (2024) أن نسبة الإناث العاطلات عن العمل لنفس الفئة العمرية لا يتجاوز 14.5% . التضارب في الإحصائيات قد يشير الى عدم وجود شفافية كافية بالنسبة للجهات الرسمية فيما يتعلق بقضايا النساء وعملهن، لكنه لا ينفي تفشي البطالة في صفوف الشابات في العراق.
تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن رفع نسبة مشاركة النساء في العمل إلى مستويات مشابهة للرجال في الدول ذات الدخل المتوسط يمكن أن يؤدي إلى زيادة في الناتج المحلي للفرد بنسبة تصل الى 31%، ما يعني أن مشاركة النساء في سوق العمل في العراق أصبح ضرورة ليس فقط لمصلحة المرأة، بل أيضا لرفع الناتج المحلي وتحسين مستويات الدخل العامة. وهذا ما يؤكده الخبير الاقتصادي دريد العنزي الذي يُبيّن أن هناك العديد من المجالات التي تصلح للمرأة أكثر من الرجل لأن انتاجيتها أعلى وتحتاج إلى التزام أكبر، ومنها الحكومة الإلكترونية ومصانع التعبئة والتغليف، بالاضافة الى قطاع الزراعة القائم عبر التاريخ على وجود النساء "فهن من يعملن كفلاحات وراعيات للمواشي داخل إطار العائلة دون أجور تُذكر"، مضيفا أن منح خريجات كليات الزراعة 15 دونم لكل شابة مع دعم حكومي رمزي يمكن أن يرفع الناتج المحلي بنسبة ملحوظة خلال أشهر قليلة.
ويعزو العنزي النقص الحاد في إيجاد فرص العمل بالنسبة للخريجات إلى اعتبار أصحاب الشركات أن الرجل هو رب الأسرة والمسؤول الوحيد عن مصاريفها، مما يُعطيه الأفضلية على المرأة في الحصول على عمل.
من جهته، يعتبر الخبير الإقتصادي جليل اللامي أن عدم مشاركة النساء صاحبات الشهادات في سوق العمل مشكلة خطيرة تُساهم في تفاقم الركود الإقتصادي والعجز المستقبلي في الميزانية التشغيلية. ويعزو ذلك إلى غياب برامج تأهيل حكومية لإعداد الخريجات لسوق العمل من خلال تدريبهن على الخبرات المطلوبة والأدوات التي تسمح لهن بالانخراط فيه وفتح أبواب لهن لتحقيق ذواتهن.
غياب الخبرة عقبة يصعب تجاوزها
تخرجت شروق ذات ال24 عاما من جامعة بغداد كلية الادارة والاقتصاد قسم المحاسبة دون ان تتوقع ان تواجه عقبة غياب الخبرة التي يطلبها معظم ارباب العمل .
" في كل مرة أقدّم على وظيفة، يُطلب مني أن تكون لدي خبرة خمس سنوات، فأتسائل: "إذا لم يشغلني أحد، فمن أين سأجلب الخبرة؟" وتُواصل حديثها " اختصاصي مطلوب جدا خاصة لدى الشركات الأهلية، فكل شركة تحتاج إلى محاسب، إلا أن أصحاب هذه الشركات دائما ما يطلبون خبرة 5 سنوات ولا يقبلون حتى بتدريب الخريجين الجدد".
رغبة شروق في الحصول على عمل كبيرة جدا وهي ترفض الجلوس في المنزل مكتوفة الأيدي ولكن بعد كل محاولة، تُصاب بالإحباط . "أخذت عدة دورات تدريبية عبر الانترنت لكن جميعها لم تنفع بشيء ولم تسهّل عليَّ الحصول على عمل. عامان مرا وأنا أتنقل من مكتب إلى آخر ومن مقابلة إلى أخرى، لأتلقى نفس الإجابات: " أنت امرأة لذلك فإنك تتعبين بسرعة وبالتالي ستأخذين العديد من الإجازات" أو " ليس لديك خمس سنوات خبرة على الأقل" .
العادات الإجتماعية عائق إضافي
تشكل العادات والتقاليد والبيئة الإجتماعية المحافظة عائقا إضافيا أمام وصول الخريجات إلى سوق العمل.
زمن ( اسم مستعار) تخرجت من جامعة ديالى كلية الطب البيطري وتسكن في منطقة المقدادية والتي تعتبر من المناطق الريفية ولكنها لم تستطع ممارسة مهنتها بسبب رفض أهلها. تقول: " درست هذا التخصص على أمل أن أفتح عيادة بعد التخرج، إلا أن أبي قال لي بالحرف الواحد ( ماعدنا نسوان تشتغل )". وتضيف" سمح لي والدي بإكمال دراستي الجامعية بشروط صارمة ( من باب الجامعة الى باب المنزل) وحذرني كثيرا من الإختلاط مع بقية الطلاب أو جذب الأضواء لي بالرغم من تفوقي الدراسي. ورغم أني فسّرت له إلى أي حد ستستفيد المنطقة لأنها ريفية بالأساس من عملي إذا فتحت عيادة لأن أغلب العوائل تمتلك مواشي، إلا أنه رفض ذلك رفضا قاطعا." وتختم حديثها بحسرة " ها أنا ذا اليوم أنتظر أن ينتهي مصيري بالزواج من شخص لا أعرفه وطبعا سيختاره لي أبي". ظنت زمن أن الاحلام قد تنتصر على البيئة المحافظة وعلى العادات والتقاليد لكنها اصطدمت بالواقع المرير وبلعنة كونها أنثى.
يٌفسّر دكتور علم النفس فارس كمال، ما يحصل مع زمن وأمثالها من الخريجات بأنّه " عنف بنيوي اجتماعي مُوجه ضد النساء ومرتبط بشكل مباشر بالتابوهات الاجتماعية وهيمنة الرجل على الأسرة لارتباط مفهوم الشرف بالنساء، فإذا ما خرجت المرأة من دارها فإن ذلك قد يُهدّد سمعة العائلة، فيشعر الرجل أن قيمته الذكورية اهتزت وأن المحدد الاخلاقي تم خرقه، وهو عدم الاختلاط بالرجال . وإن سمح لها بالعمل، فسيكون ذلك بشكل مقيد وضغوط كبيرة، ليُصبح طموح الشابات رهينا برغبة المجتمع والرجال".
لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)






تعليقات