
"احتجت لأشهر طويلة من العذاب والمحاولات المتكررة لأتجاوز إدماني للمخدرات، لم يكن الأمر سهلا أبدا، حيث توقفت عن الدراسة وتهاوت أحلامي شيئا فشيئا، كما أن أهلي كانوا يهددونني بالقتل في كل لحظة"، هكذا روت "ياسمين وهو اسم مستعار (21 عاما) قصتها مع الإدمان.
من طالبة مجتهدة، حيث كانت الاولى على دفعتها، تحولت تدريجيا إلى مدمنة مخدرات، حيث انقلبت حياتها رأسا على عقب بسبب حبة مخدرة، ظنت أنها لعلاج الصداع.
ذات يوم احتاجت الشابة لحبة "باندول" مُسكّنة بعد امتحان طويل وصعب، فتقدمت نحوها إحدى الزميلات، وقالت لها:
"هذه حبة أمريكية أصلية، ستُزيل صداعك وتمدك بالنشاط". أخذتها، وفعلا كان مفعولها كالسحر، فقد أحست بأنها سعيدة وأنها تريد أن تطير. " لم أقلق كثيرا -كعادتي- بشأن نتيجة الامتحان"، توضّح ياسمين.
لم يمض أسبوع حتى عادت الزميلة نفسها، لتقدّم لها حبة أمريكية جديدة، لم تتردد ياسمين بأخذها لما منحتها إياه من شعور سابق بالسعادة والراحة، بل وأوصت زميلتها بشراء علبة لها في المرة القادمة، مهما كان ثمنها."فكرت حتى أن أعطي منها لأمي التي تعاني "الشقيقة" وكنت أتخيّل أنها حبة "باندول" أصلية، وليست مصنوعة في مصانع عراقية أو مستوردة ومغشوشة"، تروي الشابة بحسرة. كانت تلك الحبة بوابتها للدخول إلى عالم المخدرات الذي لم تخرج منه بسهولة.
" كان شكل الحبوب -في كيس بلاستيكي-، غريبا تناولت منه خمس حبات، ثم أدركت أن الوضع لم يكن مجرد حبة مسكنة، عندها بدأت البنت بتهديدي وصارت تطلب مني أخذ الحبوب ودفع المال بالغصب أو أنها ستُفشي الأمر لعائلتي التي جمعت عنها كل المعلومات"، تروي ياسمين بألم، مضيفة "مازالت كوابيس تلك الأيام تطاردني وتمنحني شعورا بالخوف والأسف. كنت أبكي كل ليلة وأشعر أنني لن أستطيع التعافي من الإدمان."
من حسن حظها أنها وجدت الدعم من عائلتها، رغم أفراد أسرتها أشبعوها ضربا وتعنيفا في البدء. في هذا الصدد، تقول "ما زالوا ينبذونني، وقد حاولوا علاجي في المنزل فقط من أجل ضمان عدم جلب العار لهم، ولطالما توسلتهم لتصديقي لكنهم يرفضون، معتقدين أني أدمن المخدرات منذ سنوات".
الطالبات، أهم الفئات المستهدفة
تشير الباحثة في حقوق المرأة، عالية عبد الغني إلى أن " الأوساط التعليمية، هي الفئة الأكثر استهدافًا لترويج المخدرات، لأن التجار أو المروجين لا يكونون بحاجة للبحث عن ضحاياهم في مناطق أو أماكن مختلفة، بل يصبح الحرم الجامعي، هو البيئة الخصبة لهم".
أما إيناس كريم، مديرة منظمة "نقاهة" لمكافحة المخدرات، فتعتبر أن "وصول المخدرات، ومنها الحشيش، إلى طلاب المدارس يشير إلى وجود خطة من الجهات التي ترعى هذه التجارة اللامشروعة تستهدف خلق جيل مُغيّب ومدمن ومنفصل عن الواقع. وهذا يهدف إلى تدمير المجتمع من جذوره".
ولكن استهداف الطلاب والطالبات لا يقتصر فقط على بيع المخدرات لهم وإنما أيضا على إجبارهم على المشاركة في ترويجها في الوسط الطلابي.
في هذا الصدد، تُنبّه عبد الغني إلى تعرض عدد متزايد من الطالبات لضغوطات للدخول في عالم المخدرات، كخطوة أولى تؤدي لاحقًا إلى جرهن إلى الدعارة والاتجار بالجسد. وتعتمد شبكات منظمة على تجنيد طالبات لاستدراج زميلاتهن إلى الإدمان ومن ثم استغلالهن جنسيًا. وتشير إلى أن النساء والفتيات يُستهدفن بشكل خاص نظرًا لسهولة تجنيدهن في هذا النوع من الجرائم " لأن الشك في نشاط المرأة في هذا المجال يكون أقل. وهكذا تتعرض هؤلاء النساء للابتزاز والتهديد المستمر، مما يدفعهن إلى الرضوخ خوفًا من الفضيحة أو القتل".
قبل شهرين فقط، تمكنت الأجهزة الأمنية في محافظة البصرة من الإطاحة بشبكة متورطة في الدعارة والابتزاز وتجارة المخدرات، وتم القبض على أربعة من أفراد الشبكة، بينهم رجل وثلاث نساء، حيث اعترفوا باستدراج مواطنات، معظمهن من الطالبات الجامعيات، إلى منزل في وسط المحافظة. وهناك، يتم التحايل عليهن لتعاطي المخدرات وممارسة الدعارة، ثم تصويرهن وابتزازهن.
تشير عالية إلى أن بعض العصابات تفرض الدعارة كشرط للحصول على المزيد من المخدرات. في هذه الحالات، يتم استغلال حاجة الفتيات المدمنات عبر إجبارهن على الانخراط في الدعارة. وتضيف أن الإدمان يتحول إلى أداة للسيطرة على المرأة، من أجل تلبية حاجتها الملحة للمخدرات. بالإضافة إلى ذلك، يركز بعض المروجين على استهداف المطلقات والأرامل من الطالبات، واللاتي يُعتبرن فريسة سهلة نظرًا لعدم امتلاكهن مصادر دخل مادية كافية، مما يزيد من تعرضهن للاستغلال.
وتؤكد أخيرا أن الفتيات اللاتي يقعن في فخ المخدرات يجدن صعوبة في الحصول على العلاج والدعم الاجتماعي، خاصة بسبب وصمة العار المرتبطة بالإدمان في المجتمعات التقليدية. وهذا الواقع يُعقّد عودتهن إلى الحياة الطبيعية.
وقبل عام 2003، كان القانون العراقي يعاقب مروجي المخدرات بالإعدام شنقًا. إلا أن هذه العقوبة أُلغيت بعد الحرب، واستُبدلت بعقوبات تصل إلى السجن لمدة 20 عامًا. ومع تزايد أعداد تجار المخدرات في السنوات الأخيرة، تمت إعادة العمل بحكم الإعدام ليصبح قانونيًا مرة أخرى، بهدف التصدي لانتشار هذه الظاهرة وتجريم المتورطين بشكل صارم.
صعوبة الخروج من عالم الإدمان
تؤكد إيناس كريم، مديرة منظمة "نقاهة" لمكافحة المخدرات، أن دخول الفتيات إلى عالم المخدرات أصبح مسألة مقلقة، مشيرة إلى أن الخداع يلعب دورًا رئيسيًا في جذب الطالبات، خاصة في مراحل الدراسة المليئة بالضغوط النفسية، موضحة أن هناك من يقوم بتوزيع حبوب يُزعم أنها فيتامينات أو منشطات لتحسين الأداء، مما يدفع الفتيات إلى الإدمان بشكل تدريجي دون وعي.
أحد أبرز التحديات التي تواجهها المنظمة لمساعدة الضحايا من الفتيات، هو رد فعل العائلات، حيث تكون غالبًا قاسية وغير مجدية. لذلك تُشدّد ايناس على أن تلك التصرفات لا تساعد في حل المشكلة، بل تزيدها تعقيدًا، مما يصعّب السيطرة على الإدمان ويزيد من احتمالية استمراره. وتتابع قائلة: "في هذه الحالات، يجب على الأبوين تقبّل الواقع بدلاً من الانشغال باللوم والتوبيخ. فكل فرد يدخل عالم المخدرات له أسباب ودوافع، ولا بد من وجود خلفيات تؤدي إلى هذا السلوك. وعلى الأهل أن يستوعبوا هذا الأمر، ويتعاملوا مع أبنائهم وبناتهم بحذر، ويحاولوا مساعدتهم على تجاوز هذه المحنة".
تخشى العديد من العائلات على أبنائها من دخول السجن، وذلك يدفعها إلى رفض إرسالهم إلى المراكز التأهيلية، رغم أنها الخيار الأنسب لإنقاذهم من الإدمان. "هناك خلط بين العلاج في مراكز التأهيل وبين التعرّض للتتبعات القانونية، فكثيرا ما يتمّ إيهام الطالبات بأن من يذهب إلى هذه المراكز قد يتعرض للاعتقال. ولكن في الحقيقة، من يتجه بمحض إرادته إلى مراكز العلاج، لا يتعرض للمسائلة القانونية، بل على العكس، يظل بعيداً عن الأعين وتتم حمايته من المروجين والمبتزين. يتم إعتقال فقط من يُقبض عليه متلبساً بالتعاطي أو المتاجرة بالمخدرات". توضح ايناس كريم.
وُتشدّد كريم على أهمية التوعية المستمرة حول مخاطر المخدرات وآثارها المدمرة، قائلة: "المخدرات ليست مجرد مشكلة فردية، بل هي سم بطيء يقتل دون رحمة. لذلك نحن بحاجة ماسة إلى الحديث بشكل مستمر عن تأثير المخدرات، ليس فقط على المدمن، وإنما على العائلة وعلى المجتمع بأسره، فالتوعية هي خط الدفاع الأول ضد هذه الآفة".
الحرب على المخدرات
تنتشر المخدرات بنسق كبير في العراق، حيث أعلنت المديرية العامة لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية، عن أحدث أرقامها فيما يخص مقاومة الظاهرة، وجاء فيها أنه تم القبض على 14438 متهماً بالترويج للمخدرات والحكم بالإعدام والمؤبد على 598 تاجراً دولياً ومحلياً، كما "تم ضبط 6 أطنان و183 كيلوغراماً من المواد المخدرة".
هذه الأرقام جعلت وزير الداخلية، عبد الأمير الشمري، يؤكّد على "أهمية تنظيم حملات توعوية تثقيفية لجميع شرائح الشباب العراقي، وخاصة في الجامعات كافة لتحصينه من المخدرات وكشف الآثار السلبية لها وما تخلفه من مخاطر على الفرد والمجتمع". ورغم ذلك، ما تزال الحدود والجامعات العراقية معبرا سهلا لتمرير حبوب "الهلوسة".
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت سابقا، عن تأسيس "قاعدة بيانات متكاملة حول طرق وأساليب تهريب المواد المخدرة، بالإضافة إلى مناطق انتشارها وآلية دخولها إلى البلاد. وفي أحدث بياناتها
صرّحت بأن "مادتي الكريستال والحشيشة تنتشران بشكل رئيسي في وسط وجنوب العراق، ويتم تهريبهما عبر محافظتي ميسان والبصرة الحدوديتين مع إيران، بينما ينتشر الكبتاغون المؤثرات العقلية الأخرى في غرب وشمال العراق، ويتم تهريبها عبر محافظة الأنبار الحدودية مع سوريا". وأضاف البيان أن "أغلب المواد المخدرة تدخل إلى العراق عبر المنافذ والطرق غير الرسمية، بما في ذلك الشريط الحدودي والصحراء الغربية".
لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)
Comments