top of page

من القلوب الحمراء إلى الفواتير الحمراء..عيد الحب يُشعل جيوب البغداديين

صورة الكاتب: تمارة عماد تمارة عماد


لم يعد "سهم كيوبيد" وحده من يحدد مسار الحب في زمننا هذا، فقد دخل على الخط مؤثرون جدد، مسلحون بهواتفهم الذكية وحساباتهم المترفة على منصات التواصل الاجتماعي، ليعيدوا صياغة قواعد اللعبة العاطفية، ويملوا على الشباب معايير جديدة للإحتفال بعيد الحب، بعيدًا عن الورود الحمراء وبطاقات المعايدة التقليدية.

انتشرت خلال السنوات الأخيرة، وبشكل لافت، منشورات لـنجوم السوشيال ميديا، توثق احتفالاتهم الباذخة بعيد الحب، من رحلات سياحية، وهدايا فاخرة تُقدّر بآلاف الدولارات، وحفلات خاصة في أفخم المطاعم. تضفي هذه المنشورات بريقًا ساحرًا على عيد الحب، وتغرِي المتابعين من الشباب بـجنّة من الرفاهية والرومانسية، دون أن تظهر الكلفة الحقيقية لهذا الحلم المصطنع.


من 'چاي وسمچ مسگوف' إلى عشاء فاخر بـ 450 ألف..كيف تغيرت تكاليف الحب في بغداد"


"في أيام شبابنا،" تستذكر جمانة سمير، 56 عامًا،

" لم نكن نعرف هذه الأعياد إلا من المجلات أو الكتب، وكنا نتبادل بعض الهدايا مثل ورود حمراء أو عطور يوم 14-2 من كل سنة. ولكن بعد 2003، ومع دخول الفضائيات إلى منازلنا، عرفنا عيد الحب أكثر وصار المحبون يحتفلون به".

وتضيف، " أتذكر أول مرة احتفلنا فيها بعيد الحب أنا وزوجي، حيث عزمني على "سمج مسكوف" بمطعم بمنطقة "الكريعات" على نهر دجلة، وبعدها شربنا شايا على الفحم". وتشير إلى أن زوجها كان يهديها في كل عام باقةَ ورد، أو هاتفًا جديدًا، لكن أطرف هدية كانت 3 كيلو لحم غنم! ، قائلاً لها بمزاح: "أطبخي لنا ما لذ وطاب"، وكان ذلك في إحدى السنوات التي ارتفع فيها سعر اللحم بشكلٍ لافت.

وتختم جمانة حديثها :"منذ أربع سنوات تقريبًا، توقفنا عن الإحتفال بـعيد الحب، لأن الحياة صارت أصعب، ومسؤولية الأولاد كبرت. لكن مازلنا نعبر عن حبنا بطرق أخرى، ولا نحتاج يوما محدد بالسنة للاحتفال."

بابتسامة عريضة ترتسم على وجهه، يشاركنا محمد حسن، 31 عامًا فرحة التحضير لــ "عيد الحب" مع زوجته، التي يحرص على الإحتفال به معها منذ أيام خطوبتهما.

"هذا العام، أردت أن أفاجئها بشيء مميز"، يقول بحماس، "قمت بحجز طاولة خاصة بــ"عيد الحب" في أحد مطاعم بغداد سيُقدّم عدة فعاليات، كـجلسة تصوير خاصة، وعزف موسيقي حي، ووجبة عشاء شهية". وعلى الرغم من أن تكلفة هذه الطاولة وصلت إلى 450 ألف دينار عراقي، إلا أن محمد يؤكد أن "لا شيء يغلى على زوجته.

"شعندي غيرها أفرحها وأسعدها بهذا اليوم من السنة؟". ويضيف: "العام الماضي، احتفلت مع زوجتي عبر القيام بجلسة تصوير خارجية مميزة، لاقت تفاعلًا كبيرًا عندما نشرتها المصورة على "السوشيال ميديا"، لأننا نحرص على الظهور بأبهى حلة وعلى التعبير عن الحب بكل الطرق المتاحة". وينهي حديثه بعبارة تعكس عمق حبه لزوجته: "هي الروح والرية، وراح أتفنن كل سنة بمفاجأتها وتدليلها".


مظاهر الإحتفال تختلف بين العاصمة وبقية المحافظات


على النقيض من العاصمة بغداد، تبدو مظاهر الاحتفال في بعض المحافظات أكثر بساطة وعفوية. ويُعزى هذا التباين إلى عدة عوامل، منها الاختلاف في العادات والتقاليد والمعتقدات السائدة، بالإضافة إلى الفروقات الاقتصادية.

في محافظة الديوانية جنوب العراق، يقول حسين سلام، 28 عامًا

" دخلت ثقافة إهداء الورد منذ فترة قصيرة، ولا تزال جديدة على شبابنا"، مشيرًا إلى طبيعة المجتمع المحافظ، ونظرا "لخصوصية عوائلنا، أصبح التوصيل وإرسال الهدايا بأسماء أخرى بين الأحبة أمرًا متاحًا بعد أن كان يصعب القيام به سابقًا، كما كان المحبون يواجهون خطر رؤيتهم من قبل أحد المارة بينما يتبادلون الهدايا".

ويكمل حديثه قائلًا: "أخطط هذا العام لإهداء الفتاة التي أحبها باقة ورد، وإرسالها من خلال خدمة التوصيل، كون مجتمعنا لا يتقبل مثل هذه المظاهر بشكل علني" مؤكدًا أنه رغم التحديات، " يبقى للحب لغة خاصة، وتوجد دائمًا طرق للتعبير عنه، حتى وإن كانت خفية عن أعين الناس".


تحضيرات "الفالنتاين"


"منذ عشرة أعوام، وأنا أعمل في مجال بيع الزهور واستيرادها"، تقول نورا عبد الأمير (44 عامًا)، صاحبة محل زهور في منطقة اليرموك ببغداد، "خلال فترة الأعياد، وخصوصًا عيد الحب، يصل الطلب على الزهور إلى ذروته، وتصبح الوردة الحمراء ملكة الموقف". وتشير إلى التغيير اللافت في حجم الطلبات خلال السنوات الأخيرة: "منذ عام 2018، أصبحت الطلبات على الورود تأتي بتصاميم وأعداد هائلة، تصل أحيانًا إلى أكثر من 500 وردة للطلب الواحد! وهناك طلبات تتجاوز قيمتها مليوني دينار عراقي".

وتوضح أن "المحبين من كلا الجنسين يحرصون على إهداء بعضهم البعض باقات الورد الفاخرة، وغالبًا ما تُرفق بهدايا أخرى مثل المجوهرات أو الأوراق النقدية، حسب طلب الزبون. وتضيف: لا يقتصر الأمر على الحبيب أو الحبيبة، فقد أصبح من الشائع أيضًا أن يهدي البعض باقات الورد لأمهاتهم أو أخواتهم تعبيرًا عن الحب والتقدير".

وتشير نورا إلى التحديات التي تواجه أصحاب محلات الزهور خلال هذه الفترة، قائلةً: "يتم الحجز المسبق بالنسبة لكافة طلبات عيد الحب، ولا نستلم طلبًا قبل يوم أو يومين من المناسبة بسبب الضغط الكبير، كما أننا نحرص على تسليمها في مواعيدها المحددة، وكمعدل، نحتاج إلى أكثر من 3000 وردة حمراء فقط خلال "الفالنتاين". وتضيف بأسف:

"تغيرت الأسعار عن الأعوام الماضية، خصوصًا أننا نضطر للدفع للتاجر الذي يُصدّر لنا الورود بالدولار، ونحن بدورنا نشتري الدولار من السوق السوداء بسعر مرتفع وليس بالسعر الرسمي".

وبسؤالها عن أكثر أنواع الزهور طلبًا خلال عيد الحب، تجيب: "بالطبع الوردة الحمراء هي البطلة الرئيسية، إلا أن هناك إقبالاً أيضًا على أنواع أخرى مثل الزنبق والأوركيد والتوليب، وذلك لتنوع ألوانها ورمزيتها الجميلة".

من جانبه، يقول السيد، بكر رائد، مدير أحد المطاعم في منطقة المنصور ببغداد "نحرص في كل عام على تقديم تجربة استثنائية لضيوفنا في عيد الحب، من خلال تصميم قوائم طعام خاصة بهذه المناسبة، تتضمن أشهى المأكولات التي تُرضي جميع الأذواق، مع التركيز على الأطباق التي تُعبّر عن روح الرومانسية مثل: "السي فود"، "الستيك"، والحلويات المزينة بشكل مميز".

ويضيف: "تختلف أسعار قوائم الطعام حسب نوعية الأطباق وعدد الأشخاص، إلا أنها تتراوح عادةً بين 150 ألف دينار إلى 300 ألف دينار للشخصين. نحن نحرص على تقديم خيارات متنوعة تناسب مختلف الميزانيات والأذواق".

وعن التكاليف التي يتحملها المطعم لتقديم عروض عيد الحب، يقول رائد "نخصص ميزانية خاصة لهذه المناسبة تشمل تكاليف تزيين المطعم بديكورات رومانسية مثل الورود والشموع والإضاءة الخافتة، مع توفير موسيقى هادئة بعزف حي لخلق أجواء مناسبة، كما نقوم بتدريب فريق العمل على تقديم خدمة متميزة لضيوفنا في هذه الليلة الخاصة". ويؤكّد على أن الهدف من خلال هذه العروض هو " تقديم تجربة لا تنسى لضيوفنا، تجمع بين الطعام الشهي والأجواء الرومانسية والخدمة المتميزة. ونسعى دائمًا إلى تلبية توقعاتهم وإرضاء أذواقهم".


خصوصية الحب في مواجهة سطوة السوشيال ميديا


يثير غزو ثقافة المؤثرين لعالم الحب والعلاقات الكثير من التساؤلات حول مستقبل التعبير عن المشاعر في زمن تسيطر فيه المظاهر الخارجية و"الترندات" على اختيارات الشباب. فهل سيبقى للحب مكان في قلوب أجيال تُقاس مشاعرها بـ "اللايكات" و"الفولورز"؟

يقول الدكتور، محمد عبد، أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد،

إن "ثقافة المؤثرين تساهم في خلق ضغوطٍ اجتماعية هائلة على الشُبّان، الذين يجدون أنفسهم مضطرين لمحاكاة أنماط الحياة الاستهلاكية التي يسوقها هؤلاء المؤثرون، حتى لو كان ذلك على حساب قدراتهم المادية ونضجهم العاطفي". ويضيف "يصبح التركيز على المظاهر الخارجية والهدايا باهظة الثمن، ويتحول عيد الحب إلى مناسبة للاستعراض والتفاخر بدلاً من أن يكون فرصةً للتقارب العاطفي والتعبير الصادق عن الحب".

من جهتها، تقول رقية العبيدي، الموظفة في شركة خاصة: "أحياناً أشعر بالغيرة عندما أرى صديقاتي يتلقين هدايا باهظة الثمن في عيد الحب، وأتمنى لو أستطيع أنا أيضًا الحصول على مثل هذه الهدايا، لكن أعرف أن ذلك ليس ممكنًا دائمًا، وأحاول أن أركز على قيمة المشاعر والتعبير الصادق عن الحب أكثر من قيمة الهدية المادية".

يؤمن "أحمد وسارة"، وهما زوجان في الثلاثينيات من عمرهما، متزوجان منذ خمسة أعوام ، بأن الحب الحقيقي لا يحتاج إلى مظاهر مبهرجة أو تكاليف باهظة للتعبير عنه، ففي منزلهما الدافئ، وبين أضواء الشموع الخافتة، يحتفلان بعيد الحب ببساطة وعفوية، بعيدًا عن ضجيج "السوشيال ميديا" و"ثقافة الاستعراض". يقول أحمد: "نحن نؤمن بِقدسية الحب بين المحبين، ولا نرى ضرورة لمشاركة تفاصيل حياتنا الخاصة مع العالم الخارجي". وتضيف سارة: "الحب يغذيه الاهتمام والتواصل اليومي، ولا يقتصر على يوم واحد في السنة. ونحن نحتفل بحبنا في كل يوم، من خلال كلمات الدعم والتقدير، والأفعال البسيطة التي تُعبّر عن صدق مشاعرنا".


ويؤكد أحمد وسارة على أهمية الحفاظ على "خصوصية العلاقة" بعيدًا عن "متطلبات السوشيال ميديا". "نحن نفضل قضاء وقت ممتع معًا، نتبادل أحاديث بمختلف المواضيع، ونستمتع بــ"لمة العائلة الدافئة"، لأننا نعتبر بأن كل مرحلة من مراحل الحب تستحق الاحتفاء، سواءً كان ذلك بـ عشاء رومانسي على ضوء الشموع، أو بـرحلة هادئة إلى أحد الأماكن الطبيعية بعيدا عن صخب المدينة".


ويختتم الزوجان حديثهما قائلين: "الحب هو رحلة مستمرة، تتطلب التجديد والتواصل والتفاهم. ونحن نسعى دائمًا للحفاظ على شرارة المحبة متقدة بيننا، من خلال الاهتمام بـتفاصيل حياتنا المشتركة، وخلق ذكريات جميلة لا تنسى".



لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

Comentarios


Follow Us !

Thanks for submitting!

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter

Thanks for submitting!

فتيات ضحايا لهيمنة العادات بمستقبل مجهول.png
bottom of page