top of page
صورة الكاتبآية منصور

ضحايا العنف الأسري ينتظرون القانون….. الذي لا يأتي

تاريخ التحديث: ١٠ أكتوبر



"لم أرد شيئا من هذه الحياة سوى الإنصاف، كان القاضي يرغب برؤيتي ميتة قبل أن يقرر تطليقي من زوجي المُعنف. كل أورام جسدي لم تكن كافية بالنسبة إليه. كبقية أفراد المجتمع، كان يُخيّر أن يكون جسدي متكسرا على أن أحمل كلمة "مطلقة"، تقول ميساء وحيد (34 عاما) التي تصارع المحاكم العراقية لنيل حريتها، حيث يوافق القانون على شرط واحد لتحريرها  وهو الخُلع الذي يعني تجريدها من كامل حقوقها، وهي غير قادرة على تخيل عدم نيلها أي تعويض بعد سنين من التعنيف الجسدي واللفظي والجنسي. 


 أقدم أب مؤخرا على قتل ابنته بعد عملية تعنيف شرسة، أدت إلى وفاتها، ثم قام بالادعاء بأنها عملية انتحار. الضحية سمر الفراجي "16 عاما" تحب الحياة، وترغب بإكمال دراستها والعمل كمحامية مثل أمها المتوفيه، ولوالدها سجل طويل من التعنيف بشهادة خالتها التي أكدت طلبها المسبق لنيل حضانتها خاصة بعد إثبات تعنيف الأب لسمر بشكل متواصل. 


تفضيل السجون على المنزل 


توضح مسؤولة شعبة العنف الأسري في وزارة الداخلية رفضت الكشف عن إسمها، أن كثيرا من النساء المُعنفات يتوسلن أحيانا أعوان الأمن للبقاء في مراكز الشرطة خوفا من العودة لمنازل أزواجهن، وذلك لعدم توفر دور إيواء. "بعضهن يشعرن بالندم إذا ما اتجهن الى منازل ذويهن، وتتم بعد ذلك إعادتهم قسرا إلى محل الزوجية. أتذكر أن إحدى الحالات اضطرت للهروب الى كردستان بعد أن علمت بوجود ملاجئ خاصة بالمعنفات." تقول النقيب. 

ورغم ارتفاع معدل حالات القتل نتيجة التعنيف الأسري، وحث الأمم المتحدة المستمر للحكومة العراقية لتشريع قانون العنف الأسري لبناء ملاجئ خاصة للناجين/آت، يستمر تجاهل هذه الأخيرة لذلك. يغضب الشارع لفترة من الزمن، على قصة حزينة، بطلتها طفلة، طفل أو زوجة، ثم يعود الجميع إلى حياته العادية. 


توضح ميساء أنها حاولت سابقا التعايش مع العنف واعتباره أسلوب حياة، نظرا لقلة الدعم في مجتمع يحث الضحية على السكوت والتحمل. تتذكر ذات مرة كيف دخلت غرفة الإنعاش وكادت تموت بسبب الضرب وتقول " رفضت الطبيبة أن تخرجني من المستشفى إلا بحضور أحد والديّ وليس زوجي، خوفا على حياتي، ورغم ذلك كان الجميع من حولي يبررون له ما فعله في حقي. لا أفهم ما الذي يجب أن تفعله المرأة المُعنفة؟" تتساءل ميساء.


ارتفاع مخيف في عدد الحالات؟ 


في أحدث إحصائية له، أكّد المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق وجود ارتفاع مخيف في حالات العنف الأسري في البلاد، حيث بلغت الدعاوى المسجلة خلال ثلاث سنوات 53,889 دعوى.

ووفقًا لإحصائيات مجلس القضاء الأعلى، تبين أن عدد الدعاوى المسجلة خلال النصف الأول من عام 2024 بلغ 13,857، في المحاكم العراقية، في حين بلغ عددها 18,436 دعوة  في عام 2023 و 21,595 في عام 2022.

لا يزال العراق يفتقر إلى قانون لمكافحة العنف الأسري، كما توضح المحامية وداد العبيدي، بل يعتمد على نصوص قانونية تسمح للزوج أو الأب بممارسة "التأديب" على الزوجة أو الأبناء، بما في ذلك الضرب، ما دام ذلك لم يتجاوز ما تعتبره "مشروعًا."

تشير العبيدي إلى أن "المادة 41 من قانون العقوبات العراقي تستثني الضرب من الجريمة في حال كان يُستخدم كوسيلة تأديبية، سواء كان تأديب الزوج لزوجته أو الآباء والمعلمين للقصّر، ضمن الإطار الذي تقره الشريعة أو القانون أو العرف."وتضيف "لا يتمكن أحد من تقديم شكوى بسهولة، وتفضّل الشرطة نهج المصالحة بين الأطراف لإنهاء النزاعات الأسرية ولا تلتزم بحد حازم". وحسب العبيدي، فإن المصالحة في هذا السياق تعني عمليًا "إعادة الأطفال إلى بيئة عنيفة وغير مستقرة دون أية ضمانات حقيقية لعدم تكرار حالات العنف. وحتى مع أخذ التعهدات الخطية من قبل المُعنف، فإن الكثيرات يتعرضن للتهديد أكبر بعدها يمنعهم من العودة لطلب المساعدة."


لم يرفض النواب قانون العنف الأسري؟ 


يعترض الكثيرون من أعضاء البرلمان العراقي على وضع قانون يجرم العنف الأسري، وحجتهم أن الضرب "بغير الضرر" مباح في الدين الإسلامي الذي يتبع قوانينه العراق.

تقول وداد أن جميع محاولات تشريع هذا القانون، تنتهي بالرفض. ويرى بعض البرلمانيين أن هذا القانون " سيسلب حق الوالدين في تربية وتأديب أبنائهم، مما قد يؤدي إلى إضعاف الروابط الأسرية وتعميق الخلافات داخل الأسرة". ويؤكدون أيضًا أن "هذا الأسلوب ينتمي إلى الغرب، بينما العراق دولة إسلامية لا تتبع القيم المختلفة."، تبين المحامية.

في السنوات الثلاث الأخيرة، أظهرت الإحصائيات أن نسبة اعتداء الزوج على الزوجة بلغت 75% من إجمالي حالات العنف الأسري، بينما سجلت اعتداءات الزوجة على الزوج 17%. أما نسبة اعتداء الأبوين على الأطفال فقد وصلت إلى 6%، في حين بلغ الاعتداء على كبار السن 2%.

وفقًا لإحصائية عام 2024 للمركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان، كان العنف الجسدي هو النوع الأكثر شيوعًا من العنف الأسري، يليه العنف الجنسي، ثم العنف اللفظي. وأعلى نسبة جرائم العنف الأسري في النصف الأول من عام 2024 تم تسجيلها في محافظة بغداد، حيث بلغت 31%، بينما كانت أقل النسب في محافظة صلاح الدين بنسبة 5%.

توضح الناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل، سرى هاشم، أن الفقرة التي يستند إليها البرلمان في تبرير رفضه للقانون، والمتعلقة بإمكانية تقديم الطفل شكوى ضد والده أو الوصي عليه، هي غير قابلة للتطبيق عمليًا. وأشارت إلى أن "قانون رعاية الأحداث رقم 76 لعام 1983 يمنع إقامة دعوى لمن هم دون سن 9 سنوات إلا بوجود الأب أو الوصي. وهذا يعني أن الطفل لا يستطيع تقديم شكوى ضد والده أو الوصي عليه إذا لم يصل إلى سن البلوغ، وهو 18 عامًا. 

"يساعد قانون تجريم العنف الأسري على تقديم التقويم النفسي للطرف المعتدي بهدف منع تكرار حالات الاعتداء. كما يمنح مشروع القانون المحكمة الحق في تمثيل الأطفال وحماية مصالحهم. ويُلزم الشهود على حالات الاعتداء الجسدي بإبلاغ الجهات المختصة تحت طائلة العقوبة. إضافة إلى ذلك، يتوسع القانون في تعريف العنف الأسري ليشمل العنف اللفظي إلى جانب الجسدي. ويمنح مديري دور الرعاية صلاحية استضافة الضحايا لمدة تصل إلى ثلاثة أيام قبل صدور أمر قضائي بشأن استضافتهم، لضمان توفير مأوى آمن لهم خلال فترة التقاضي." تقول هاشم. 


النقص في دور الإيواء


مع ذلك، وحتى مع تشريع القانون، فإن العراق خال من دور إيواء وحماية الناجين/ات من التعنيف الأسري باستثناء إقليم كردستان حيث  توجد دار إيواء في كل محافظة من محافظات الإقليم. تقول سرى، ان بعض المنظمات عملت على مسودة قانون مناهضة العنف الأسري، عام 2010، لكن رئاسة الجمهورية شرعت فعليا في العمل على مسودة للقانون عام 2017 وأرسلته عام 2019 إلى البرلمان، وكانت تختلف كثيرا عن مضمون المسودة التي وضعتها المنظمات المدنية، ورغم ذلك فلم يعارض الناشطون ذلك معتبرين أن وجود قانون أفضل من غيابه كليا. 

وفي عام 2020، بدأت الحكومة العمل على مسودة جديدة لقانون العنف الأسري، بعد حادثة مقتل "ملاك الزيدي" على يد زوجها والتي أثارت غضبًا شعبيًا واسعًا. ورغم أن المسودة حملت ضمانات عديدة لحماية المعنفات والمعنفين، وركزت على تأهيل الجناة ومنع تكرار الجرائم وملاحقتهم، إلا أنها واجهت رفضًا شديدًا من الأحزاب الدينية. " حتى بقيت -تلك المسودة- مع كل دورة برلمانية، تنتظر القراءة، ولا أحد من النواب يفكر بها". تقول سرى.

يُذكر، ان العراق كان قد صادق على اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1989، وكان من بين الدول الرائدة في هذا المجال. ومع ذلك، منذ عام 2003، شهدت البلاد تزايداً ملحوظاً في معدلات العنف ضد الأطفال. يُعزى هذا الارتفاع حسب منظمات المجتمع المدني، إلى عدم فعالية تطبيق القوانين، والأزمات السياسية والأمنية المستمرة، بالإضافة إلى نقص الرعاية الصحية والتعليمية والاجتماعية. ويضاف إلى كل ذلك، تفاقم الوضع بسبب استغلال الأطفال وتجنيدهم في الأنشطة العسكرية والنزاعات المسلحة، مما أثر بشكل كبير على حقوقهم وسلامتهم.


لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)

١٨ مشاهدة٠ تعليق

Comments


bottom of page