قُدِرَ على من يعمل في بلاطِ صاحبة الجلالة من الصحفيين التعب حتى صار عنوانها (مهنة المتاعب)، فالوصول الى رضى الجمهور ثمنه باهض، ونصيب من التعب والقلق والترهيب والملاحقة.
وعلى الرغم من ذلك، تجرأت حواء بشجاعة للخوض بالمعترك الصعب، وأصبحت رقما صعبا بالعمل الصحفي والإعلامي، لتتصدر الاستوديوهات والميادين، لتغطية اخبار السياسة والخدمات والمعارك والتظاهرات، لتدفع فوق كل ذلك ضريبة كبيرة من خلال التهميش والتحرش والتجاوز والخطف والقتل، والشهيدتان، "أطوار بهجت" التي استشهدت في سامراء "وشفاء كردي" التي استشهدت في الموصل خير شاهد على ذلك.
وتذكر الصحفية (نادين عماد – 36 عاما) الحاصلة على الماجستير في الإعلام موقفا صعبا في تظاهرة لمجموعة شباب في إحدى المحافظات العراقية، حيث تقول "كنت اقوم بواجبي، وأغطي الحدث بشكل حيادي، وتفاجأت بالقوات الأمنية هناك حيث اصرت على منعي من التصوير، فأجبتهم بأنني صحفية وهذا عملي وإنني لست جزءا مما يحصل، وبسبب جوابي هذا تعرضت للضرب من قبلهم، وتم اعتقال المصور الذي يرافقني".
كما تتحدث الصحفية (هيفاء الجميلي – 30 عاما)، عن "تعرضها بشكل دائم الى مضايقات وتجاوزات عندما تقوم بتغطية صحفية في الشارع، فدائما ما يتم منعنا من التصوير بذرائع عديدة، وكثيرا ما يتم الصراخ بوجهنا ونحن في لحظة تسجيل حوار ما او خاتمة للتقارير التي ننجزها".
التمييز المجتمعي
لم تبتعد ذكورية المجتمع كثيرا عن مهنة المتاعب، لتزيد من التحديات الإضافية، فالتمييز القائم على أساس النوع الاجتماعي يمنع الصحافيات من الخوض في عديد من المواضيع، فمؤسسات لا تسمح بتغطية الصحفيات لبعض القضايا، واحيانا يمتنع البعض من الادلاء بمعلومات او اجراء مقابلات بذريعة التقاليد وكأن الصحافة حكراً على الرجال.
تذكر المراسلة (اسماء الشعلان – 33 عاما) أن "أغلب الصحفيات يعانون من التنمر داخل المؤسسات الإعلامية والصحفية والمؤسسات التي تقام فيها الفعاليات التي نقوم بتغطيتها، وحتى من زملاء المهنة عند اللقاء بهم في تغطية حدث ما، حيث أن النظرة الدونية للصحفية أو الإعلامية باتت هي السائدة عندهم".
وتضيف: "لا انفي أن دخول بعض الطارئات على الصحافة هو سبب مهم بشيوع هذه النظرة تجاه الصحفيات، ولكن هذا لا يمنع أنه يجب على الآخرين أن يميزوا بين الغث والسمين داخل جسد الصحافة".
وتروي الشعلان، حادثة حصلت معها، وهي "عدم إضافتها لمجموعة (كروب) خاصة بالنشاطات الصحفية، بذريعة أنها المرأة الوحيدة التي تعمل ميدانيا، ولا يجوز اضافتها الى مجموعة أغلبيتها من الذكور، وهذه إحدى الصعوبات التي تعاني منها الصحفية، حيث لا تعاون يذكر معها".
كما وتقول المصورة الصحفية (فيفيان عزيز – 28 عاما)، وهي خريجة قسم السينما في كلية الفنون الجميلة أنها "منعت من تغطية مؤتمر صحفي في محافظتي، بطلب من أحد القائمين على المؤتمر، وكان يصرخ بصوت عالٍ أمام الحضور بأن هذه المهنة للرجال فكيف تقتحمون مجالا صعبا كهذا، اذهبن الى بيوتكن واعملوا في المطبخ".
الإعلامية (دعاء باسل – 41 عاما)، التي تعمل في احدى المحافظات المقدسة، تذكر أن "المرأة الصحفية مكبلة بالأعراف والعادات والتقاليد حسب كل محافظة، ومفروض علينا أن نلتزم بكل ما يريده المجتمع والوسط الصحفي هناك، وهذا ما يؤثر على مساحة عملنا، بل ويضيقها إلى أبعد الحدود".
وعلى العكس من ذلك كله، تؤكد المراسلة الحربية (علياء الماجدي – 32 عاما)، "التعاون الكبير الذي كانت تشعر به من قبل القوات الأمنية العراقية عندما كانت تغطي معارك التحرير ضد عصابات داعش في محافظة صلاح الدين، حيث تؤكد أنها لم تتعرض لأي منع من تغطية أي حدث هناك، بل على العكس كانوا الضباط والمقاتلين يهيئون لي البيئة المناسبة لنقل أخبار النصر، وأتذكر حينها أنني قلت لهم بأنكم تقاتلون بجهدٍ مضاعف، مرة في قتال العدو المباشر، ومرة بخوفكم علي وحمايتكم لي من أي طارئ"
العائلة.. العقدة الأولى
للأسرة اثر بارز على النساء بالعمل الصحفي، فبين الدعم للنجاح، او التضييق لإجبار الصحفيات على ترك المهنة او الاعمال المكتبية التي تعرضها الى الكثير من المضايقات.
الدعم الكبير الذي تلقته المراسلة الصحفية (منة ظاهر – 29 عاما) خريجة كلية الاعلام بجامعة بغداد، من قبل عائلتها جعلها تجتهد إلى أن وصلت لتتفوق على أغلب زملائها، حيث تذكر أنها البنت الوحيدة في العائلة، وتعلمت من والدها ووالدتها أن تكون لديها شخصية مستقلة وبرأي خاص محترم من جميع افراد العائلة، هذا ما جعلني اتجاوز كل المصاعب والعراقيل بشجاعة كبيرة أوصلتني للعمل في المؤسسات الإعلامية العربية الرصينة.
من جانب آخر بعض الصحفيات يجدن ان نجاحهن بالبقاء من دون ارتباط، حيث تروي لنا الصحفية (حلا الحسيني – 35 عاما) أنها رفضت وما زالت ترفض جميع عروض الزواج منها، لأن الجميع لم يوافقوا على استمراري بالمهنة، وكانت اول شروطهم هو ترك الصحافة نهائيا ونسيانها إلى الأبد. وتؤكد أن هذا يعني موت شغفها الكبير بالمهنة، وأنها تتنازل عن الارتباط لأجل هدف أسمى.
وفي مشهد آخر، تقول المحررة الصحفية (لمى حاتم – 40 عاما) وهي أم لثلاثة اطفال، أن زوجها يحترم عملها الصحفي، لكنه رفض أن تستمر بالعمل الميداني الذي كانت عليه قبل الزواج، ويدعمها في العمل الصحفي المكتبي في إحدى الوكالات المحلية. وتؤكد أن هذا الرفض من قبل زوجي بسبب خوفه وحرصه، حيث دائما ما يكرر عبارة: "وجودكِ مهم، لا أريد أن افجع بكِ مثلما حصل مع اطوار بهجت أو أفراح شوقي".
صحافة المكتب
تتابع الاحداث وتسارعها يجعل المتعة حاضرة للعاملين في الوسط الصحفي، لكن العاملات في المهنة يجبرن على اللجوء الى الاعمال المكتبية او الاعلام الرقمي لتحاشي الظهور، ما يسلب روح المحتوى الإعلامي حياته ورونقه.
وعلى الرغم من تطور الحياة، وسرعة انتشار المعلومة اليوم، من خلال وسائل التواصل المتنوعة، إلا أن المحررة (غادة عبد الهادي – 38 عاما) وهي أرملة احد شهداء الجيش العراقي، تؤكد أن الخبر إذا لم تقنصه الصحفية من المصدر ومكان الحدث مباشرة يبقى جامدا بلا روح، ويكون تأثيره بسيط، وينسى بسرعة. وتضيف: اضطررت للعمل الصحفي في الوكالة وعلى المكتب بسبب ما أشاهده من صعوبات العمل الميداني للمرأة الصحفية، فأردت أن احافظ على حلمي بالمهنة حتى وأن كان العمل من امام شاشات الحاسوب أو الموبايل.
وبحسرة كبيرة تقول الصحفية (بتول محمد – 40 عاما) العمل سيّان للمرأة الصحفية إذا كان ميدانيا أو مكتبيا، فلا أحد يمنح الفرصة لها، وستكون الواجبات التي تناط بها هامشية، ومهما كان الحلم بداخلي كبير، فسيتحطم بسهولة أمام مسؤولي المؤسسة التي أعمل فيها.
وفي نفس السياق، تتمنى المراسلة (منة ظاهر) بأن يتحقق حلمها وتصبح قائدة ومديرة لإحدى المؤسسات الإعلامية، حيث تقول رغم صعوبة هذا الحلم - لأن في بلدنا لا تعطى المرأة فرصة القيادة حتى وأن كانت متميزة – لكنني أسعى اليه لأقوم بحملة كبيرة لإنصاف المرأة الصحفية، وأعطيها دورها وحقها الكامل في العمل بكل المفاصل التي تختص بالإعلام والصحافة.
متاعب إضافية
سمة (تاء التأنيث) التي توصف بها النساء (صامدة) على الرغم من التحديات والمصاعب، والعمل لإكمال هذا التحقيق خير دليل لما واجهت من متاعب ومعرقلات خلال مراحل البحث والتقصي، وسعي كثير من الجهات لعرقلته لعدم الخوض في المسكوت عنه.
Kommentare