عام 2024 كان عاما حافلا بالأحداث على مختلف الأصعدة في العراق، فكيف مر على الصحفيات العراقيات؟ هل شهدن تطوراً في مسيرتهن المهنية؟ أم واجهن تحديات جديدة؟ هذا المقال يستكشف واقع الصحافة النسائية في العراق خلال عام 2024، ويُسلّط الضوء على أبرز الإنجازات والتحديات التي واجهتهن، مع التركيز على قصص نجاحهن وتطلعاتهن نحو المستقبل.
استمرار الفجوة بين الفرص المتاحة للنساء والرجال في المجال الصحفي
تشير الإعلامية أسماء شعلان إلى أن التحديات التي واجهتها في عام 2024 ليست سوى امتداد لسلسلة من الصعوبات المتراكمة، فبين متطلبات العمل الصحفي وضغوطات الحياة الشخصية، وجدت نفسها في صراع مستمر للحفاظ على التوازن، خاصة مع مرض والدتها الذي زاد من مسؤولياتها. وتضيف أن البيئة الصحفية في العراق لا تُوفّر الدعم الكافي للصحفيات خاصة فيما يتعلّق بالمخاطر الأمنية التي تواجههن في الميدان. وعلى الرغم من إقرارها بوجود بعض التحسن في وضع الصحفيات العراقيات، إلا أنها تؤكد على استمرار الفجوة بين الفرص المتاحة للنساء والرجال في هذا المجال، فما زالت القيود المجتمعية وعدم الثقة بقدرة المرأة الصحفية على التعامل مع الملفات المعقدة تعيق مسيرة الكثيرات.
وتسلط أسماء الضوء في عملها على مجال التغيرات المناخية، وتأثيرها على النساء بشكل خاص، حيث وثقت معاناة العديد منهن، مثل الصيادات في الأهوار والطواشات والحرفيات اللواتي تأثرن بشدة بظروف الجفاف. وتؤكد على أهمية دورها في إيصال أصوات هذه الفئات المهمشة.
أما عن مستقبل الصحافة في العراق، فترى أنه يرتبط بقدرة المؤسسات الإعلامية على تقديم المزيد من الدعم والفرص والمبادرات للصحفيات. وتدعو إلى توفير التدريب لهن، وفتح الآفاق للصحفيات الشابات، ودعم الصحافة الاستقصائية.
وختامًا، توجه أسماء رسالة إلى الفتيات الطموحات، تحثهن فيها على الثقة بأنفسهن وتطوير مهاراتهن، والالتزام بالمصداقية والمهنية، مؤكدة أن " التأثير الذي سيحققنه يستحق كل التحديات".
غياب العقود الرسمية والهشاشة الاقتصادية
من جهتها، تسلط الكاتبة والصحفية، هبة الماجد الضوء على التحديات التي تواجهها الصحفيات في العراق، مشيرة إلى وجود تمييز جندري متجذر في هذا المجال، حيث يتمّ الاحتفاء بإنجازات الصحفيين الرجال، في حين ما تهمش إنجازات النساء، ولا يتم منحهن نفس الفرص أو المهام، مما يساهم في تكريس عدم المساواة. وتضيف
أن الصحفيات في المحافظات يعانين أكثر من غيرهن، حيث يواجهن قيودًا مجتمعية مركبة، إضافة إلى غياب العقود الرسمية التي تضمن حقوقهن وتنظم علاقتهن بالمؤسسات الإعلامية.
وتشير إلى أن المؤسسات الإعلامية غالبًا ما تسند للنساء مهام بسيطة، وتستغني عنهن بسهولة دون أي التزامات قانونية، كما تحرَم الصحفيات من العديد من الامتيازات التي يحصل عليها زملاؤهن الرجال. وحتى في المؤتمرات الصحفية، فإن الرجال هم من يهيمنون على المشهد.
وتركز هبة في عملها الصحفي على قضايا التغيرات المناخية وتأثيرها على النساء في العراق، خاصةً في مناطق الأهوار، فقد وثّقت معاناة الكثيرات اللواتي فقدن مصدر رزقهن بسبب الجفاف وانتقلن إلى المدينة ليواجهن ظروفًا قاسية. وتؤكد على أهمية دورها كصحفية في إيصال أصوات هذه الفئات المهمشة، وإبراز قصصهن والتحديات التي تواجههن.
وتعبر هبة عن تفاؤلها بمستقبل الصحافة في العراق، مشددة على ضرورة تكيف المؤسسات الإعلامية مع التطورات التكنولوجية، وتعزيز الشفافية والاستقلالية. وتُشاطر رأي زميلتها أسماء الشعلان حول ضرورة التركيز على إنتاج التحقيقات الاستقصائية في العراق، سواء من قبل الصحفيين أو المؤسسات الإعلامية.
واختتمت حديثها بتوجيه رسالة قوية إلى الصحفيات الشابات، تحثهن فيها على تعميق ثقتهن بأنفسهن، وتطوير مهاراتهن، والدفاع عن حقوقهن، ودعم النساء المهمشات، مؤكّدة أن " الإصرار والتحدي هما الطريق إلى النجاح وإحداث التغيير".
في ظل تصاعد المخاوف بشأن تراجع حرية الصحافة في العراق، وتحديدًا فيما يتعلق بوضع الصحفيات، حذّرت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة من أن المؤشرات الدولية تصنّف العراق كبلد غير حر بالنسبة للصحفيين/ات. وفي ندوة عقدت في العاصمة بغداد في 18 ديسمبر 2024، ناقشت الجمعية أهم التحديات التي تواجه الصحفيات في البلاد، وكيفية خلق بيئة عمل آمنة لهن، تضمن سلامتهن وتمكنهن من أداء واجبهن بحرية واستقلالية.
وقد أكدت الإعلامية ريا فائق الخفاجي، المديرة التنفيذية للجمعية، على أهمية توفير بيئة آمنة للصحفيات، من خلال الوقوف على التحديات التي تواجههن أثناء أدائهن لواجبهن المهني، وعلى ضرورة البحث عن حلول واقعية مستدامة. وأشارت إلى أن الصحفيات يعانين من العديد من الانتهاكات، مثل التحرش والتمييز والعنف القائم على النوع الاجتماعي، مما يعيق مسيرتهن ويهدد سلامتهن.
وشددت الكاتبة والإعلامية جمانة ممتاز على ضرورة إيجاد بيئة عمل آمنة للصحفيات، انطلاقًا من أهمية وجود المرأة في العمل الإعلامي، ودورها في زيادة الوعي المجتمعي والتعبير عن رؤيتها في مختلف القضايا. وأكدت أن الإعلام يمثل نافذة للمعرفة، وأن المرأة قادرة على إحداث فرق من خلاله، سواء في معالجة قضايا المرأة أو في قضايا الحرب والسلام.
أما الدكتورة نهلة نجاح عبد الله، من كلية الإعلام، فقد تحدثت عن سوسيولوجيا الإعلام والتحديات التي تواجه الصحفيات، مثل عدم تكافؤ الفرص وقلة تمثيل المرأة في المؤسسات الإعلامية وعدم تسلمها لمناصب قيادية. وأشارت إلى أن الاعتماد على مبدأ المحاصصة والمحاباة يهمش الكفاءات ويضيع على المرأة فرصة إثبات ذاتها في هذا المجال.
دعوة لتشريعات منصفة وتمكين حقيقي للصحفيات العراقيات
تعبّر الصحفية منار الزبيدي عن شغفها العميق بمهنة المتاعب، مشيرةً إلى أنّ كل تحقيق تنتجه يترك في نفسها أثراً لا يمحى، خاصةً ذلك الذي يُسلّط الضوء على قصص النساء وتجاربهن القاسية في مجتمع يعاني من العنف والتمييز. وتُقرّ منار بصعوبة العمل الصحفي في العراق، حيث يواجه الصحفيون والصحفيات العديد من التحديات، بدءاً من البيئة الصحفية المعقدة التي تهيمن عليها وسائل الإعلام غير المستقلة، وصولاً إلى مخاطر العنف والاستهداف التي تلاحقهم.
وعلى الرغم من هذه التحديات، استطاعت منار خلال عام 2024 إنجاز محتوى صحفي نوعي في مختلف المجالات، مركزة على القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، من خلال إنتاج البودكاست والتقارير الصحفية التي تسلط الضوء على قضايا مهمشة. وتشيد بدور الصحفيات العراقيات اللواتي استطعن إحداث فرق في المشهد الإعلامي، رغم كل العقبات التي تواجههن، من تمييز وتضييق وتهديد. وتعتقد أنهن يمتلكن من الإمكانيات والمواهب ما يؤهلهن للتألق على المستوى الدولي لو توفرت لهن الفرص والمناخ المناسب.
وتعتبر منار أن أبرز التحديات التي تواجه الصحفيات في العراق هي:
العنف الرقمي الذي يتفاقم مع انتشار الحسابات الوهمية وسوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، صعوبة الوصول إلى المعلومات وتضاربها وانتشار الأخبار الكاذبة والمضلّلة، المضايقات أثناء العمل وعبر الإنترنت، عدم التساوي في الفرص بين الصحفيين/ات، هيمنة وسائل الإعلام غير المستقلة التي تفتقر إلى الموضوعية والمصداقية، والاستهداف بالتصفية والتشهير والترهيب، كما تفوتها الإشارة إلى العقبات المالية التي تواجه الصحفيات المستقلات، وغياب البيئة الآمنة التي تضمن لهن ممارسة عملهن بحرية واستقلالية.
لذلك تدعو إلى سن تشريعات وطنية منصفة، تعزز حرية الرأي والتعبير وتُجرّم جميع أشكال العنف والتمييز ضد الصحفيات، بالإضافة إلى تعديل التشريعات القائمة لتُواكب التطورات والمتغيرات الحالية. وتطالب بتنفيذ برامج تمكين حقيقية للصحفيات، تلبي احتياجاتهن وتساهم في تطوير مهاراتهن وتعزز مشاركتهن في صنع القرار. وتشدد على أهمية توفير مساحات عمل آمنة للصحفيات، تضمن لهن الحماية والسلامة وتقدم لهن مكافآت مالية تتناسب مع جهودهن وقيمة ما يقدمنه من أعمال. وأخيرا تعتبر أنه من المهم تحقيق التوازن في الحقوق بين الصحفيين/ات، خاصة في مناصب صنع القرار في المؤسسات الإعلامية.
في جانب آخر، تؤكد منار على أهمية دور الإعلام في تغيير الصورة النمطية عن المرأة، من خلال تغيير زوايا المعالجة وتقديم محتوى إعلامي متنوع وهادف يعزز مشاركة النساء في مختلف المجالات ويسلط الضوء على إنجازاتهن وإبداعاتهن. وتدعو إلى مراعاة التوازن الجندري في الظهور الإعلامي بالنسبة لمصادر المعلومات، وإلى ضرورة استضافة الخبيرات في مختلف المجالات، والابتعاد عن المحتوى المسيء الذي يكرس للصور السلبية عن المرأة ويساهم في انتشار العنف والتمييز.
وتشارك منار بعض إنجازاتها الملفتة خلال عام 2024، فقد فازت بجائزة "قريب ميديا" لأفضل تقرير اقتصادي مالي من قبل الصحفيات، وأنجزت كتابها الأول حول نطاق الحقوق الدستورية للمرأة العراقية، كما كتبت سلسلة من الدروس التوجيهية للصحفيين/ات، ونفذت العديد من ورش التدريب حول الأمن السيبراني والحماية الشخصية والسلامة القانونية، وقدمت محاضرات لطالبات الإعلام حول إنتاج البودكاست.
وتختتم منار حديثها إلينا بحثّ الصحفيات الشابات على الابتكار في إنتاج المحتوى الرقمي، واستخدام أساليب السرد الإبداعي، ومواكبة التطورات التكنولوجية، مع الحرص على الوعي بالممارسات الرقمية الصحيحة لحماية أنفسهن ومصادرهن. وتوكد على أهمية امتلاك الصحفيات للمهارات اللازمة في البحث الإلكتروني وتدقيق المعلومات وتحليلها، وإتقان استخدام الأدوات التقنية المختلفة بطريقة مهنية وأخلاقية.
حاولت معدة التقرير التواصل مع وزارة الاتصالات العراقية وهيئة الإعلام والاتصالات، للحصول على معلومات حول السياسات الحكومية المتعلقة بالإعلام والمرأة، إلا أنها لم تتلق ردًا من الجهتين. ويمثل هذا التحدي المستمر عقبة كبيرة أمام عمل الصحفيات المستقلات في العراق، حيث يواجهن صعوبة في الحصول على المعلومات من المصادر الرسمية والحكومية، مما يؤثر على قدرتهن في تقديم صورة شاملة وواضحة عن الواقع الإعلامي في البلاد.
لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)
Comments