" لم اكن اتخيل اني سأعود إلى العمل بعد ولادتي بأسبوع واحد!" تستنكر يقين أحمد، (25 عاما)، مضيفة "وجدت على هاتفي اتصالا من المدير، فقلت: ربما يريد تهنئتي، ولكنه كان يريد مني أن أعود بسرعة إلى العمل. وعندما أخبرته باستحالة الأمر بسبب جرح الولادة في بطني الذي لم يلتئم بعد وابني الذي لم يتجاوز عمره ال10 أيام. أجابني بكل فضاضة: ابقي معه إذا وسنجد بديلا لك! وأنهى المكالمة".
اضطرت يقين للعودة للعمل مستغنية عن حقها في إجازة الأمومة خاصة وأنها تعمل في مؤسسة حكومية بصيغة "أجور يومية". ورغم أن المكان تابع للدولة العراقية، فإنه تم إعلام العاملات بأنهن غير مشمولات بإجازة الأمومة. "من أجل إطعام ابني، رجعت، لأن راتب زوجي لا يسد الإيجار"ـ تقول الأم الشابة بأسف.
ليست يقين وحدها في هذا الوضع، بل إن المئات من الأمهات العاملات يعشن مصيرا مشابها بعد إنجابهن، ويتعرضن لظروف قاسية ومساومات بين الإستمرار في العمل أو تركه.
هل يحمي القانون العراقي حقوق العاملات؟
ينص قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 في المادة (43) الفقرة (6) على التالي: "تستحق الموظفة إجازة حمل وولادة قبل الوضع وبعده أمدها اثنان وسبعون يوما براتب تام على أن تتمتع بما لا يقل عن 21 يومًا منها قبل الوضع ويجوز تكرار هذه الإجازة كلما تكرر الحمل والوضع".
وجاء أيضا في المادة (48) في الفقرة (5) "تستحق المستخدمة إجازة خاصة براتب تام لمدة ستة أسابيع تتمتع بها قبل الوضع وبعده". ولكن، هل يُطبق القانون؟
هذا قانون يشمل الموظفات الدائمات فقط، تقول المحامية سجى، أما من تعمل بنظام الأجر، العقد، أو نظام القطعة، فلا يمكنها التمتع بالحق في عطلة الأمومة حتى لو كانت تشتغل في المؤسسات الحكومية.
في هذا الصدد، توضح زهراء مولود (28 عاما) أنها توسلت مديرها لمنحها استثناء لكنه رفض، معللا قراره بعدم قدرته على تغيير القوانين الخاصة بالعقود. "في البداية، أخبروني أنه بإمكاني الحصول على إجازة ما قبل الولادة، وبعدها، لكني لم أحظ بأي شيء" تقول زهراء.
بحسب المادة (85) من قانون العمل العراقي، يحظر إرغام المرأة الحامل أو المرضع على أداء عمل إضافي أو أي عمل تعده الجهة الصحية المختصة مضراً بصحة الأم أو الطفل أو إذا أثبت الفحص الطبي وجود خطر كبير على صحة الأم أو الطفل، ورغم ذلك لا يتم تطبيق كل هذه القوانين، ويتم التعدي على حقوق العاملات.
تشير التقارير إلى أن نحو 300 ألف امرأة تعملن في القطاع الخاص من بين مليون سيدة عاملة في العراق. ورغم عدم توفر إحصائيات رسمية عن عدد النساء الحوامل في سوق العمل، إلا أن عدد الولادات في البلاد يبلغ حوالي 3,294 ولادة يوميًا، " ما يعكس الحاجة الملحة لتطبيق إجازات الأمومة بشكل فعال في القطاع الخاص لضمان حقوق العاملات، تقول المحامية سوسن الجيزاني.
أبرز تقرير المفوضية العليا لحقوق الإنسان لعام 2020 حول أوضاع المرأة، استمرار غياب تطبيق إجازات الأمومة في القطاع الخاص رغم مرور خمس سنوات على إقرار قانون العمل رقم (37) لعام 2015. ورغم تأكيد اللجنة الدولية المعنية بشؤون المرأة على أهمية هذه الإجازات، إلا أن التنفيذ الفعلي على الأرض ما زال غائبًا، مع نقص واضح في البيانات المتعلقة بتطبيق هذا الحق للنساء العاملات.
تؤكد المحامية، أن قانون العمل العراقي رقم (37) لسنة 2015، وفق المادة 87، يحدد إجازة الحمل والوضع بمدة لا تقل عن أربعة عشر أسبوعاً في السنة بأجر كامل. ورغم ذلك يرفض بعض المديرين تنفيذ القانون ويسلطون ضغطا نفسيا كبيرا على العاملات، حيث يتم تكرار مفردات من قبيل "لم تعودي تعملين مثل قبل"، أو "أنك تهتمين بطفلك أكثر من عملك"، ويتم كذلك خصم الكثير من راتبها في الشهر الواحد لأسباب غير منطقية. والهدف في الأخير هو دفعهن لترك العمل من تلقاء أنفسهن.
من جهتها تروي المحامية سجى أنها كانت على مشارف ترقية مهمة في عملها داخل محكمة الكرخ، لكن تم سحب الفرصة منها واعطائها لزميل آخر عندما حملت، حيث قيل لها : " هكذا، لن نضطر لإيقاف العمل بسبب الحمل". تسبب لها هذا الموقف باكتئاب شديد قبل وبعد الولادة.
مطلوب غير متزوجات
لا يقتصر الأمر على التمييز بين العاملات على أساس الأمومة، بل إن بعض الشركات تشترط عند توظيف العاملات أن يكن غير متزوجات. نور سالم تعرضت للطرد بمجرد إشعار الشركة التي تعمل بها ببداية حملها، حيث تقول "لم اكن قد أتممت شهري الأول من الحمل حتى جاء قرار بفصلي، مضيفة " استبدلني المدير بموظفة غير متزوجة، وبعد انجابي طلب عودتي بنصف راتب، لأن الموظفة الجديدة لا تجيد العمل مثلي".
تستنكر ابتهال الهلالي، وهي مسؤولة قسم في إحدى الوزارات، "النظرة التمييزية تجاه المرأة، والتي تعتبر أنها لا تجيد التوفيق بين عملها وأمومتها، خاصة مع غياب مساعدة الزوج. حتى الروبوت غير قادر على فعل كل شيء وحده في نفس الوقت!" وتتذكر كيف تعرضت هي نفسها للتمييز قبل أن تحصل على ترقية لتشغل منصبها الحالي. "كنت قريبة من نيل المنصب. ولكن في كل مرة، يتم إعطاء الترقية لزميل رجل بحجة أنه غير مضطر لأخذ إجازة من أجل الوضع والرضاعة"، وتضيف "رغم خبرتي الكبيرة وشهادتي العليا، فإني ولسنوات طويلة، بقيت في مكان واحد. وبعد مرور سنوات طويلة كبر أثنائها أولادي، استطعت أخيرا الحصول على المنصب الذي أستحقه".
حال ابتهال هو حال أغلب العاملات، اللواتي يتعرضن للتمييز ويرضين بالقليل في سبيل الحفاظ على عملهن، وأحيانا على حساب عائلاتهن، في حين يكفل لهن القانون حقوقا لا يستطعن الحصول عليها في الواقع.
لقد تم انتاج هذا المقال تحت اشراف منظمة المساعدات الانسانية والصحافة (AHJ) ضمن مشروع "قريب" برنامج اقليمي تموله الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) وتنفذه الوكالة الفرنسية للتنمية الاعلامية (CFI)
Comments